استعرض الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، التقرير الصادر مؤخراً عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، تحت عنوان “جهود على طريق التنمية”.
وقد ضم التقرير تقدم مصر في عدد من المؤشرات، من بينها تحقيق مصر المركز الـ 8 عربيا والـ 69 عالميا في مؤشر أفضل الدول في جودة الحياة 2021، كما تقدمت مصر 3 مراكز في مؤشر “الرخاء” لعام 2020، والذي ارتفع بناء على مجموعة من المحاور يأتي من ضمنها محور “جودة الاقتصاد” الذي ذكر مركز المعلومات أنه ارتفع بنحو 16 مركزا.
ما ذكره مجلس الوزراء حول التقدم بالمجال الاقتصادي، دفع فريق عملنا للتحري حول حقيقة تلك المؤشرات ومدى انعكاسها على المواطن.
وبالبحث فإن تقرير “جهود على طريق التنمية“ قد اعتمد في مؤشراته على مصدرين، تقرير لمجلة “سي إي أو ورلد“ الصادر في 20 يونيو 2021 والذي تناول “مؤشر جودة الحياة لعام 2021“، والتقرير الرابع عشر لمعهد ليجاتم بلندن، والذي تناول “مؤشر الرخاء لعام 2020” وهو ما كشف لنا جملة من المفاجآت الغير متوقعة.
اكتشف فريق “تفنيد” أن اختيار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار لمؤشر مجلة CEO WORLD لجودة الحياة لعام 2021 داخل تقريره يعد انتقائيا، نظرا لأن هناك العديد من المؤسسات التي ترصد مؤشر جودة الحياة، فيوجد بعض المؤسسات التي وضعت مصر في مرتبة أقل لجودة الحياة في مصر لعام 2021 بل خفضت ترتيبها عن عام 2020 مثل مؤشر جودة الحياة لموقع نمبو (NUMBEO) والذي وضع مصر في مرتبة الـ76 لعام 2021 بدلا من 73 لعام 2020.
أما فيما يتعلق بمؤشر الرخاء لمعهد ليجاتم الذي يعتمد على 12 محور، فبمراجعة ما نشره المعهد، تكشف لدينا أن أغلب الإنجازات التي أعلنت عنها الحكومة غير حقيقية وأنها لجأت للتلاعب بالمؤشرات
لم تتقدم مصر 16 مركزا بمؤشر جودة الاقتصاد كما ذكر مجلس الوزراء، ولكن وفقا لبيانات المعهد فإنه ارتفع بنحو 8 مراكز فقط من المركز 135 إلى المركز 127
مجلس الوزراء ذكر أن محور التعليم تقدمت فيه مصر بنحو 6 مراكز إلا أن المعهد صاحب المؤشر المنقول عنه ذكر أن التعليم تقدم بمركزين فقط
أشار مجلس الوزراء إلى أن مصر تقجمت مركزًا بمحور جودة البيئة الطبيعية، إلا أن معهد ليجاتم أعلن أن ترتيب مصر تراجع من 154 إلى 156
مجلس الوزراء زعم أن مصر تقدمت بنحو 4 مراكز في محور رأس المال الاجتماعي، إلا أن معهد ليجاتم كشف تراجع مصر مركزًا واحدًا
مجلس الوزراء تجاهل محور الحكم الرشيد المتعلق بسلوك وأداء الحكومات، والذي أشار المعهد إلى أنه تراجع بنحو 7 مراكز من 139 إلى 146
ادعى مجلس الوزراء وجود تحسن بمحوري الحريات الشخصية والأمن والأمان إلا أن المحورين ظلا ثابتين خلال العامين عند 160 و 148 على الترتيب
عمل فريق عملنا على تحليل البيانات التي تشير إلى تقدم مصر بمحور ”جودة الاقتصاد“ بـ 8 مراكز وفقًا لمعهد ليجاتم، فوجدنا أن المعهد اعتمد على قياس القدرة على الاستدامة المالية والاستقرار الاقتصادي، وبالبحث حول أداء مصر بالمحورين اكتشفنا أن تصنيف معهد ”ليجاتم“ لا يعكس حقيقة الاقتصاد المصري.
ما هي الاستدامة المالية ؟ تُعرف المفوضية الأوروبية الاستدامة المالية العامة على أنها: قدرة الحكومة على الحفاظ على إنفاقها الحالي والضرائب والسياسات الأخرى على المدى الطويل دون تهديد ملاءة الحكومة أو دون التعثر في بعض التزامات الحكومة أو النفقات الموعودة
الإحصائيات والقرارات الحكومية خلال السنوات الأربعة الأخيرة كشفت لفريق عملنا أن الاستدامة المالية في مصر تواجه عدة مؤشرات سلبية، إذ لم تتمكن الحكومة من سداد التزاماتها تجاه الدائنين وأصحاب القروض الخارجية، وإنما لجأت لاتفاقات جديدة لتأجيل السداد، بما يؤدي لزيادة حجم الديون على المدى البعيد.
إذا قامت الحكومة بتأجيل بعض الديون المستحقة على مصر خلال عامي 2017 و 2018 مع كلا من الكويت والسعودية والإمارات والصين وبعض السندات الدولية بقيمة إجمالية بلغت نحو 10 مليار دولار مستحقة حينها.
كما لجأت مصر مجددا إلى تأجيل سداد ما عليها من مستحقات لدول الخليج خلال عام 2020 والتي كان من المزمع تسديد ما قيمته 10.29 مليار دولار حينها، والتي تستحوذ على حيز كبير من إجمالي احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي.
يضاف إلى ذلك لجوء مصر إلى تحويل الديون قصيرة الأجل إلى طويلة الأجل وحرصها على تحصيل قروض ذات مدى طويل، حيث صرح وزير المالية محمد معيط مؤخرا أن مصر نجحت في إطالة عمر الدين من أقل من 1.3 عام قبل يونيو 2017 إلى 3.45 عام في يونيو 2021، وتأتي خطورة القروض الطويلة بأنها أعلى في سعر الفائدة.
وبلغ إجمالي الدين الخارجي بنهاية الربع الأول من العام الحالي نحو 134.8 مليار دولار مقابل نحو 129.2 مليار دولار في نهاية عام 2020 بزيادة 5.64 مليار دولار.
بينما بلغ إجمالي الديون طويلة الأجل الخارجية نحو 121.579 مليار دولار بنهاية الربع الثالث ليرتفع من مستوى 117.237 مليار دولار خلال الربع الثاني، والذي يمثل حوالي 90.16% من إجمالي الديون الخارجية، فيما سجلت الديون قصيرة الأجل نحو 13.261 مليار دولار بنسبة 9.9%.
أما فيما يتعلق بمؤشر استقرار الاقتصاد الكلي ، فإنه وفق أحدث بيانات البنك الدولي فقد تراجع ترتيب مصر في الفترة بين عامي 2017 و2019 من المرتبة 127 إلى 135، مما يعني أن الاقتصاد يشهد اضطراب في معدلات التضخم والنمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ومدى سلامة السياسة المالية للدولة.
يتضح من حجم الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية أن رؤوس الأموال الأجنبية تخشى الاستثمار في مجالات إنتاجية في مصر، وهو ما دفعنا لتحليل الأسباب.
كما تحتل مصر في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2021 المركز الـ130 من بين 178 دولة؛ والذي يصنف على أنها تميل إلى اقتصاد غير حر، وفقا لمؤسسة Heritage بواشنطن.
ويحتوي مؤشر الحرية الاقتصادية على (10) معايير اقتصادية في أربع فئات: “سيادة القانون” (حقوق الملكية، والتحرر من الفساد)؛ الكفاءة التنظيمية (حرية الأعمال، حرية العمل، حرية النقد)؛ حجم الحكومة (حرية السياسة المالية والإنفاق الحكومي)؛ فتح الأسواق (حرية التجارة والاستثمار والمالية).
بينما تحتل مصر في تقرير سهولة ممارسة الأعمال، الذي يصدره البنك الدولي المركز 114 عالميا من بين 190 دولة.
ويقيس مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، الإجراءات الحكومية المنظمة لأنشطة الأعمال ضمن (10) محاور: بدء النشاط التجاري، استخراج تراخيص البناء، الحصول على الكهرباء، تسجيل الملكية، الحصول على الائتمان، حماية المستثمرين، دفع الضرائب، التجارة عبر الحدود، إنفاذ العقود، تسوية حالات الإعسار.
وعلى الرغم من تلك المؤشرات الإيجابية التي طرحها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، حول ارتفاع مؤشر الرخاء، لم تنعكس تلك المؤشرات على المواطن، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم التي يصاحبها رفع الدعم التدريجي عن السلع الأساسية للمواطن سواء الخبز والوقود والكهرباء.
كما لم تنعكس تلك المؤشرات على مدخرات المواطن المصري، الذي تراجعت في عام 2019/ 2020 من 10% إلى 6.2%، وفق بيانات التقرير المالي الشهري لوزارة المالية في أغسطس 2021.
كما لم ينعكس مؤشر جودة الاقتصاد على تحسين دخول المواطنين، إذ كشفت البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 73.5% من الأسر انخفضت دخولهم وأقل من 1% ارتفعت دخولهم، كما أشارت بيانات الهيئة الحكومية إلى أن 50 % من الأسر المصرية اقترضت من الغير و 17% اعتمدت على مساعدات أهل الخير و 5.4% حصلت على منحة العمالة غير المنتظمة خلال عام 2020 إثر جائحة كورونا.
إحصل علي جديد الأخبار