البلد
: تونسالقصة
كتبت: نورهان كاهنة
قضت محكمة تونسيّة بالسجن سنتين على الشاب رشاد طمبورة، البالغ من العمر 27 سنة، يوم 4 ديسمبر 2023، بتهمة ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة، وذلك بعد 6 أشهر من إيقافه بتاريخ 17 يوليو 2023، على خلفيّة رسمه جداريّة ناقدة للرئيس قيس سعيّد في سياق تصاعد الأحداث فيما يتعلّق بقضيّة المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء.
وفي هذا السياق، قال هشام العجبوني، القيادي في حركة التيّار الديمقراطي، خلال حضوره في برنامج “Midi Show”، على إذاعة “موزاييك أف أم” يوم 9 يناير 2024، إنّ الشباب الذّي فتح أعينه على الثورة التونسيّة لا يعتبر نقد رئيس الجمهوريّة مشكلة كبيرة، باعتبار أنّه تمّ انتقاد الرئيسين السابقين المنصف المرزوقي؛ والباجي قائد السبسي، ومع ذلك لم يُحاكم أحدا بتهمة الإساءة أو ارتكاب أمر موحش.
حاولنا التحقّق من دقّة ادّعاء هشام العجبوني، فاكتشفنا أنّه “غير صحيح”، حيثُ سبق أن تمّ نسب تهم ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة لصحفيّين ومدونّين ومدنيّين وبرلمانيّين تونسيّين في فترتي حكم المرزوقي والسبسي، ولكن لنتعرّف أوّلا، ماذا يُقصد بارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة؟
ماذا يعني ارتكاب فعل موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة؟
وردت تهمة ارتكاب أمرا موحشا ضدّ رئيس الجمهورية في الفصل 67 من المجلّة الجزائيّة الصادرة في عام 1913، ويندرجُ ضمن الاعتداءات على أمن الدولة الدّاخلي، حيثُ جاء فيه أنّه يُعاقب بالسّجن مدّة 3 أعوام وبخطيّة قدرها 240 دينارا أو بإحدى العقوبتين فقط كلّ من يرتكبُ أمرا موحشا ضدّ رئيس الدولة في غير الصور المبيّنة بالفصلين 42 و48 من مجلّة الصحافة.
عدنا على مجلّة الصحافة للتعرّف على الصور التّي يستثنيها الفصل، فتوصلنا إلى أنّه، استنادا للفصل 42 وما تضمّنه من فصول، لا يشملُ فعل ارتكاب أمرا موحشا ضدّ رئيس الجمهوريّة التحريض بواسطة الصحافة أو بأيّة وسيلة قصديّة أخرى من وسائل الترويج على ارتكاب السرقة أو جريمة القتل أو النهب أو الحريق أو الضرب أو الجرح أو أيّ أنواع العنف الواقع عمدا دون قصد القتل والذّي ينتج عنه الموت، حيثُ تُعتبر هذه الأفعال جنايات وجنحا يتمُّ البتُّ فيها استنادا إلى أحكام أخرى.
أمّا الفصل 48 من مجلّة الصحافة، فجاء فيه أنّه يُعاقب بالسّجن من عام إلى 5 أعوام وبخطيّة من 1000 إلى 2000 دينار كلّ من عمد إلى النيل من كرامة رئيس الجمهوريّة بواسطة الصحافة أو بأيّة وسيلة قصديّة أخرى من وسائل الترويج، دون أن يحدّد أشكال ذلك، وهو ما يُبقي هذا النصّ قابلا للتأويل، وبالتّالي فإنّ كلّ نقد لرئيس الجمهوريّة قد يُعتبر إتيانًا لأمر موحش ضدّه.
ولعلّ ذلك ما استقينا واقعيّته، بحالات متفاوتة، في مختلف العهود الرئاسيّة التونسيّة منذُ الفترة المؤقتة للمرزوقي بين 2011 و2014 ثمّ السبسي بين 2015 و2019 ثمّ رئاسة سعيّد القائمة.
الفصل 67 في العهد المؤقّت للمنصف المرزوقي:
لم نتوصّل إلى حالات لاستخدام الفصل 67 لمقاضاة شباب مدنيّين أو مدوّنين تونسيّين بتهمة ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة، بالرّغم من حملات التهكّم والسخريّة والنقد الجارحة التّي كان يتعرّض لها الرئيس المؤقّت المنصف المرزوقي، حيثُ كان يُلقّب بـ”طرطور الجمهوريّة“.
وفي المقابل، أوردت هيومن رايتس ووتش، في تقرير نشرتهُ في 13 سبتمبر 2013، شهادة للصحفي التونسي زهيّر الجيس، أفاد فيها بأنّه استلم استدعاءً للمثول أمام قاضي التحقيق في دعوى رفعها ضدّه الرئيس المنصف المرزوقي، تتعلّق ببرنامج إذاعي كان قد قدّمه وأجرى فيه لقاءً هاتفيّا مع صحفي لبنانيّ زعم أنّ الرئيس المرزوقي استلم مبلغ 50 ألف يورو من قناة الجزيرة.
ولم يتطرّق التقرير إلى أيّة فصول قانونيّة استندت الدعوة القضائيّة وإن تمّ فعلا توظيف الفصل 67 الجزائي، كما لم ترد تقارير موالية تُوضّح مآل القضيّة.
الفصل 67 في عهد الباجي قائد السبسي:
واستند الباجي القائد السبسي إلى الفصل 67 من المجلّة الجزائيّة لمقاضاة مدنيّين بتهمة ارتكابهم أمرا موحشا ضدّه بصفته رئيسا للجمهوريّة، حيثُ قضت المحكمة الابتدائية لمحافظة جندوبة في شمال غرب البلاد، في يناير 2018، بسجن المواطنين عبد العزيز الجريدي؛ وعبد العزيز الخزري، 6 أشهر، بتهمة ارتكاب أمر موحش ضدّ الرئيس السبسي، وذلك على خلفيّة نشرهما شائعات تزعمُ وفاته يوم 7 ديسمبر 2018، وفق ما أورده تقرير لمنظمّة العفو الدوليّة بشأن حالة حقوق الإنسان في تونس لعام 2018.
وأفاد ذات التقرير أنّه تمّ الاستناد إلى ذات الفصل لإدانة النائب التونسي السابق ياسين العياري والحكم، عسكريّا، بسجنه 3 أشهر غيابيّا، في يونيو 2018، بتهمة إتيان أمر موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة والمسّ بمعنويّات الجيش بسبب تدوينة على “فيسبوك” انتقد فيها كبار العسكريّين والرئيس.
ويتوافقُ تقرير “منظّمة العفو الدوليّة” مع تقرير لـ”هيومن رايتس ووتش”، وكذلك مع تدوينة للعياري، تطرّق فيها إلى القضيّة.
الفصل 67 في عهد قيس سعيّد:
يُضاف الحكم السجنيّ الذّي صدر على الشاب “رشاد طمبورة” إلى سلسلة المحاكمات التّي طالت عددا من المدونين والناشطين والصحفيين استنادا إلى الفصل 67 من المجلّة الجزائيّة منذُ إقرار التدابير الاستثنائيّة في 25 يوليو 2021، حيثُ باشرت المحكمة العسكريّة تحقيقا جديدا ضدّ العيّاري، خلال فترة سجنه، بتهمة ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة، بناءً على تدوينات وصف فيها التدابير الاستثنائيّة بأنّها “انقلابًا عسكريًا بتخطيط وتنسيق أجنبيّ” ونعت سعيّد بأنّه “فرعون وأبله”، وفق تقرير لمنظّمة العفو الدوليّة.
وفي 14 فبراير 2022، صدر حكما بسجن العيّاري لمدّة 10 أشهر غيابيا، وفقا لمنظّمة العفو الدوليّة؛ وهيومن رايتس ووتش.
وفي 23 ديسمبر 2022، صدر حكم استئنافيّ عسكريّ يقضي بسجن الصحفي عامر عيّاد لمدّة شهرين؛ والنائب في البرلمان المجمّد عبد اللطيف العلوي بشهر واحد، وفق ما نقله منشور للمحامي سمير ديلو، حيثُ تمّت إدانتهما بذات التهمة على خلفيّة إبدائهما نقدا للرئيس قيس سعيّد في برنامج تلفزيونيّ، حيثُ تلا عيّاد أبياتًا للشاعر أحمد مطر تنقلُ حوارا بينه وديكتاتور، فيما قال العلوي إنّ إجراءات سعيّد تُعتبرُ “انقلابًا”، وفق ذات التقرير لمنظّمة العفو الدّولي.
وفي 13 أكتوبر 2021، قضت محكمة عسكريّة بالسّجن سنة ضدّ سليم الجبالي، ناشط على فيسبوك بذات التهمة، وفق تصريح محاميه عمر الرواني لمنظّمة العفو الدّوليّة، ليتمّ تخفيف العقوبة لـ6 أشهر في حكم استئنافيّ وفقا للمحامية منى كريّم.
ونفذّت السّلطات التونسيّة إيقافات أخرى في صفوف المدنيّين والمدونّين التونسيّين من ضمنهم سامي المبروك؛ وإيمان عزيّز، بتهمة ارتكاب أمرا موحشا ضدّ رئيس الجمهوريّة، لكن لم نتوصّل إلى ما آلت إليه قضاياهم.
وذكرت نقابة الصحفيّين التونسيّين في بيان بتاريخ 21 يونيو 2023، أنّ النيابة العموميّة احتفظت بالصحفي زياد الهاني، على خلفيّة تعليقه وتفسيره الإذاعي لجريمة ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة.
ووفقا للنقابة، وجّه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في 13 نوفمبر 2023 مجموعة تهم للصحفي غسّان بن خليفة، من ضمنها ارتكاب أمرا موحشا ضدّ رئيس الجمهوريّة.
ولا تتوفّرُ تقارير رسميّة أو حقوقيّة أو قراءات قانونيّة شاملة لكلّ حالات استخدام الفصل 67 من المجلّة الجزائيّة التونسيّة للإدانة بارتكاب فعل موحش ضدّ رؤساء الجمهوريّة.
التعليقات حول هذا المقال