البلد
: العراقالقصة
كتب: علي الأعرجي
بالرغم من مرور أكثر من 10 سنوات على تشريع العراق قانون مكافحة الإتجار بالبشر في عام 2012، إلا أن العراق يبدو حديث عهد في مجال مكافحة هذا النوع من الجرائم المصنف على أنه من الجرائم المنظمة والعابرة للحدود، حيث لا توفر الدولة إحصاءات واضحة عن الحالات أو المعتقلين أو الأصناف الأكثر شيوعا من حالات الإتجار بالبشر.
غياب الإحصاءات بالرغم من المؤشرات المتزايدة على مدى شيوع وخطورة هذه الجرائم في العراق، دفع إلى بروز اهتمام بعض المنظمات المحلية غير الحكومية برصد هذه الحالات، ولكنها سرعان ما اختفت، أو اقتصر عملها على مساعدة الضحايا فقط بدون توفير إحصاءات واضحة وشاملة وحديثة.
ومن بين هذه المنظمات، “منظمة المصير”، وتديرها الصحفية إيمان السيلاوي، والتي نقلت عنها صحيفة “الصباح” الحكومية في فبراير 2022، تسجيل 300 حالة إتجار بالبشر في العراق خلال عام 2021.
ولا تظهر الصفحة الرسمية للمنظمة أي أنشطة بشكل منتظم أو إحصاءات عن الحالات المسجلة.
نموذج آخر للمنظمات، ظهر منذ سنوات وهو المرصد العراقي لضحايا الإتجار بالبشر، والذي انطلق في سبتمبر 2018، وكان ينشر بشكل غير منتظم ويوفر إحصاءات بسيطة شهرية عن الحالات التي يرصدها وحده، وكان آخر ما أعلن عنه توثيق وجود 27 شبكة للإتجار بالبشر في العراق، قبل أن يعلن في فبراير 2022 توقفه عن العمل بسبب “تهديدات” تعرض لها، وفق حديثه لإدارته مع قناة “الحرة” حينها.
ويعرّف قانون مكافحة الإتجار بالبشر العراقي، الإتجار بالبشر بأنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية.
ولكن رغم غياب الإحصاءات، إلا أن هذا لم يمنع العميد مقداد ميري الموسوي، المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، من القول بانخفاض جرائم الإتجار بالبشر في العراق بنسبة 80%.
وقال العميد ميري، على حسابه في فيسبوك، يوم 26 ديسمبر 2023، إن وزارة الداخلية حققت من خلال مديرية مكافحة الإتجار بالبشر انخفاضا بنسبة 80% في مجال المتاجرة بالأعضاء البشرية وبيع النساء والأطفال خلال عام 2023، بعد جهود استثنائية بملاحقة مرتكبيها.
وتواصل فرق “تفنيد” مع العميد ميري، للاستيضاح عن كيفية التوصل إلى هذه النسبة، أو المعيار المتبع لتحديدها، فأجاب أن المقارنة تمت من خلال نسبة مكافحة الجريمة قياسا بالعام الماضي.
وعند مطالبته بالأرقام لعدد المعتقلين أو الحالات التي تمت مكافحتها خلال هذا العام والعام الماضي، أجاب بأنه سيقوم بتزويدنا بها بعد ساعات، بعد الحصول عليها من الدائرة المختصة، إلا أنه بعد مرور أكثر من 72 ساعة ومع تكرار مطالبته بالأرقام، قال إن الدائرة المختصة لم تزوده بالأرقام لأنها لم تنته من إنجاز الإحصاءات.
وبينما لا توجد أرقام واضحة أو قاعدة بيانات متاحة تتيح التحقق من التصريح، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية تصدر تقارير سنوية عن الإتجار بالبشر، ومن بينها تقارير تخص العراق.
446 معتقلا بالإتجار بالبشر في 2023:
التصريح الوحيد من الجانب العراقي، كان في 8 نوفمبر 2023، وصدر عن العميد حسين التميمي، مدير العمليات في مديرية الجريمة المنظمة التابعة لوزارة الداخلية العراقية، وقال فيه إنه حتى نهاية شهر أكتوبر 2023، بلغ عدد المعتقلين بقضايا الإتجار بالبشر 446 متهما، وغير معروف ما إذا كان العدد يشمل المتسولين في الشوارع أم لا.
وفي تقرير صادر في يونيو 2023، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي عن الإتجار بالبشر في العراق، أن حكومة العراق لا تلبي بشكل كامل الحد الأدنى من معايير القضاء على الإتجار بالبشر، ولكنها تبذل جهودا كبيرة للقيام بذلك.
وتضمنت هذه الجهود إدانة المزيد من المتجرين وتحسين الرقابة على وكالات التوظيف في إقليم كردستان، وتنفيذ خطة عمل لمعالجة تجنيد الأطفال أو استخدامهم في النزاعات المسلحة، ووضعت خطة عمل ثانية لمنع تجنيد الأطفال أو استخدامهم من قبل قوات الحشد الشعبي، ومع ذلك لم تظهر الحكومة زيادة إجمالية في الجهود مقارنة بالفترة المشمولة بالتقرير السابق، بحسب تقرير الخارجية الأمريكية.
ويشير التقرير أيضا إلى أن الحكومة أفادت بتحديد عدد أقل من ضحايا الإتجار، واستمرت أوجه القصور في إجراءات تحديد الهوية والإحالة، إلى جانب الفهم المحدود لدى بعض السلطات لمسألة الإتجار، وفي بعض الحالات، لم تحدد السلطات بشكل استباقي ضحايا الإتجار من بين الفئات السكانية الضعيفة، مما أدى إلى الاستمرار في معاقبة بعض الضحايا بشكل غير مناسب على أفعال غير قانونية ارتكبت كنتيجة مباشرة للإتجار بهم، مثل انتهاكات الهجرة والدعارة، ولذلك تم تخفيض تصنيف العراق إلى قائمة المراقبة من المستوى الثاني، بحسب الخارجية الأمريكية.
166 معتقلا بقضايا الإتجار بالبشر في 2022.. 59% منها إتجار بالجنس:
وفيما يتعلق بالإحصاءات، فإنها تنقل عدد المعتقلين بقضايا الإتجار بالبشر وليس الحالات المسجلة لضحايا الإتجار، ويذكر تقرير الخارجية الأمريكية أن وحدة مكافحة الإتجار بالبشر التابعة لوزارة الداخلية العراقية بدأت تحقيقات في 221 قضية تتعلق بـ166 فردًا، بما في ذلك 99 قضية إتجار بالجنس و122 حالة لأشكال غير محددة من الإتجار، وهذا يتعلق بإحصائيات 2022.
ووفقا لذلك، فإن أكثر من 59% من قضايا الإتجار بالبشر كانت تتعلق بالإتجار بالجنس.
183 معتقلا بالإتجار بالبشر في 2021.. 92% منها إتجار بالجنس:
وجاء الرقم بالمقارنة مع التحقيق مع 183 فردًا في الفترة المشمولة بالتقرير السابق المتعلق بعام 2021، وتضمن التحقيق مع 169 بتهمة الإتجار بالجنس و14 شخصًا بتهمة العمل القسري، بحسب تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2022، والذي يرصد حالات عام 2021، والمنشور في مارس 2023 على موقع السفارة الأمريكية في العراق.
وبينما يظهر فارق كبير بين عدد المعتقلين في 2023 وفق إحصائية مديرية الجريمة المنظمة، وبين المعتقلين في 2022 و2021، وفق تقارير الخارجية الأمريكية، ولكن من غير المعروف ما إذا كانت المعايير التي يتم وفقها تصنيف المعتقلين متشابهة بين ما تحدثت عنه مديرية الجريمة المنظمة، وبين العدد النهائي الذي يتم التحقيق معهم كمسؤولين مباشرين عن عمليات الإتجار بالبشر وفق الأرقام التي توردها وزارة الخارجية الأمريكية.
وتحتسب وزارة الداخلية العراقية أحيانا الضحايا، ضمن المتاجرين، فعمليات اعتقال المتسولين في الشوارع يتم توقيفهم وفق جريمة الإتجار بالبشر، وعلى سبيل المثال ما حدث في البصرة في مارس 2023، حيث أعلنت مديرية شرطة البصرة توقيف عدد كبير من المتسولين في مركز المحافظة “٥٠ طفلا و٣٠ امرأة و١٥ رجلا على شكل عوائل يمتهنون التسول”، حيث تم تسليمهم إلى العدالة وقررت المحكمة توقيفهم وفقًا للمادة الخامسة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر.
وهذا بالضبط، ما أشار إليه تقرير الخارجية الأمريكية بالقول إنه لم تحدد السلطات بشكل استباقي ضحايا الإتجار من بين الفئات السكانية الضعيفة، مما أدى إلى الاستمرار في معاقبة بعض الضحايا بشكل غير مناسب على أفعال غير قانونية ارتكبت كنتيجة مباشرة للاتجار بهم، مثل انتهاكات الهجرة والدعارة.
وهو ما يطرح احتمالية أن يكون العدد النهائي عن المعتقلين الذي من الممكن أن يظهر في التقرير القادم للخارجية الأمريكية، أقل من ذلك المذكور على لسان مديرية مكافحة الجريمة المنظمة والبالغ 446 معتقلا حتى نهاية أكتوبر 2023.
أداء العراق بالإتجار بالبشر في مؤشر الجريمة المنظمة العالمي:
مؤشر الجريمة المنظمة العالمي، يوفر أيضًا مؤشرات عن أداء العراق بالجريمة المنظمة عموما، وبحالات الجريمة المنظمة بشكل مستقل من بينها الإتجار بالبشر.
ويشير تقرير الجريمة المنظمة العالمي لعام 2021، إلى حصول العراق على نقاط بلغت 8 في مجال الإتجار بالبشر، حيث يقيس المؤشر درجة الإجرام بنقاط من 1 إلى 10، وجاء العراق بالمرتبة السادسة عالميا بتصنيف “السوق الإجرامية”، التي تمثل متوسط نقاط “الإتجار بالبشر، وتهريب البشر، والشبكات الإجرامية، والجهات الفاعلة التابعة للدولة، والجهات الفاعلة الأجنبية”.
ولا يتوفر تقرير لعام 2022، أما في تقرير 2023 شهد العراق تحسنا جزئيا بمجال الإتجار بالبشر وانخفضت نقاطه بمقدار 0.5، لتكون نتيجته النهائية 7.5 درجة، بحسب مؤشر الجريمة المنظمة العالمي.
المصادر
صحيفة الصباح الحكومية | تصفح تصفح |
منظمة المصير لمكافحة التجارة بالبشر | تصفح |
المرصد العراقي لضحايا الإتجار بالبشر | تصفح تصفح تصفح |
صحيفة الوقائع الرسمية، وزارة العدل العراقية | تصفح |
العميد مقداد ميري المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية | تصفح |
وزارة الداخلية العراقية | تصفح |
وزارة الخارجية الأمريكية | تصفح تصفح |
مؤشر الجريمة المنظمة العالمي | تصفح تصفح |
التعليقات حول هذا المقال