القصة
هل تتغير قواعد التصويت على تعديلات الدستور التونسي إذا كانت التعديلات جوهرية
قال فاروق بوعسكر، رئيس هيئة الانتخابات في تونس، إن الأخطاء التي تم تعديلها في النسخة الأخيرة من الدستور هي مسائل وأخطاء شكلية ولا تخص الجوهر، وذلك خلال استضافته في برنامج “one to one” عبر إذاعة “إي إف إم” التونسية، يوم الأربعاء 13 يوليو 2022.
وتتسق تصريحات “بوعسكر” مع ما صرح به الرئيس التونسي قيس سعيد في كلمة ألقاها بمناسبة حلول عيد الأضحى، يوم 8 يوليو 2022، قائلا إن هناك بعض الأخطاء تسربت للمشروع الذي تم نشره، ووجب إصلاحها وتصويبها، وهناك أخطاءً في الشكل وأخرى في الترتيب.
وبناء على ذلك صدر أمر رئاسي عدد 607 لسنة 2022 مؤرّخ في 8 يوليو 2022 يتعلّق بإصلاح أخطاء تسرّبت إلى مشروع الدّستور المنشور في 30 يونيو 2022.
بدأنا رحلة البحث حول تصريحات رئيس هيئة الانتخابات التونسية، للتأكد حول هل كانت التعديلات الأخيرة التي أدخلت على الدستور ونُشرت في الرائد الرسمي بتاريخ 8 يوليو 2022، شكلية أم جوهرية؟ وما الفرق بالأساس بين التغييرات الشكلية والجوهرية؟
وهو ما دعانا للتوجه بتلك الأسئلة للخبراء القانونيين والمختصين، فبسؤال القاضي الإداري محمد العيادي، أوضح أن التعديلات الشكلية تتعلق بإصلاح الأغلاط المادية، مثل: خطأ في الرسم، أو خطأ نحوي أو كلمة خطأ لا تؤدي المعنى، مشيرًا إلى أنه يمكن أن يرد في بعض الأحكام القضائية بعض الأغلاط المادية، لكن في بعض الأحيان يجرى التعديل على أساس غلط مادي لكن يمس الأصل.
وأضاف القاضي الإداري: كلما مس التعديل “الأصل” نخرج من الغلط المادي، أي كلما اقتربنا من أصل القاعدة القانونية يعني من مضمون القاعدة القانونية، نكون خرجنا من التعديل المادي إلى التعديل في الأصل والمضمون.
ووصف “العيادي”، ما قام به الرئيس بأنه إصلاح لأغلاط مادية تلامست مع الأصل في المضمون، مشيرًا إلى أن النص الأول من الدستور المنشور في 30 يونيو، ينص فيه الفصل 60 على: أن “يتمّ انتخاب أعضاء مجلس نوّاب الشعب لمدة 5 سنوات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدّة النيابية”، أما في التعديل المنشور يوم 8 يوليو، فقد أصبح الفصل ينص على أن “يتمّ انتخاب أعضاء مجلس نوّاب الشّعب انتخابًا عامًّا حرًّا مباشرًا سرّيًا لمدّة 5 سنوات خلال الأشهر الثّلاثة الأخيرة من المدّة النّيابيّة وفق ما يضبطه القانون الانتخابيّ”.
ويتضح من التعديل السابق أنه تم إضافة جملة “انتخابًا عامًّا حرًّا مباشرًا”، مما يعني هنا تم تغيير المضمون، أي مس المضمون، وأصبح له معنى آخر.
وأكمل القاضي موضحًا: النص الأول يفهم منه أن المشرع لم يرد أن يقتصر انتخاب أعضاء مجلس النوب على سائر المنتخبين من عموم الناس، بل يمكن أن يكون من جهة أخرى غير عموم الناس، وبالتالي فالإصلاح هنا لم يقتصر على الشكل بل مس الأصل.
بعد التوضيح القانوني، قرر فريق العمل الرجوع إلى نصوص الدستور التي صدرت في النسخة الأولى يوم 30 يونيو 2022، والنسخة الثانية التي وردت بتاريخ 8 يوليو 2022، لكشف الفروقات بينهما وما إذا كانت جوهرية أم شكلية.
أولا: الفصل الخامس من الباب الأول، والذي ينص على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية.
بينما جاء التعديل كالآتي:
عوضا عن: “تونس جزء من الأمّة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحرّية”، موضوع الفصل الخامس، يُقرأ: “تونس جزء من الأمّة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل، في ظلّ نظام ديمقراطيّ، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحرّية”.
ويتضح بالمقارنة بين النصين أنه قد تم إضافة جملة “في ظل نظام ديمقراطي”.
ثانيًا: الفصل 52، والذي ينص قبل التعديل على الآتي:
تحمي الدولة حقوق الطفل، وتتكفل بالأطفال المتخلي عنهم أو مجهولي النسب.. وحقوق الطفل على أبويه وعلى الدولة ضمان الكرامة والصحة، والرعاية، والتربية، والتعليم. وعلى الدولة أيضا توفير جميع أنواع الحماية لكّل الأطفال دون تمييز وفق المصالح الفضلى للطفل.
أما بعد التعديل فكان النص بهذا الشكل:
عوضا عن: “تحمي الدّولة حقوق الطّفل، وتتكفّل بالأطفال المتخلّى عنهم أو مجهولي النّسب. حقوق الطّفل على أبويه وعلى الدّولة ضمان الكرامة والصّحّة والرّعاية والتّربية والتّعليم. وعلى الدّولة أيضا توفير جميع أنواع الحماية لكلّ الأطفال دون تمييز وفق المصالح الفضلى للطّفل.”،موضوع الفصل الثّاني والخمسين، يُقرأ:”حقوق الطّفل مضمونة. وعلى أبويه وعلى الدّولة أن يضمنوا له الكرامة والصّحّة والرّعاية والتّربية والتّعليم. وعلى الدّولة أيضا توفير جميع أنواع الحماية لكلّ الأطفال دون تمييز وفق مصالح الطّفل الفضلى.
وبالمقارنة بين النصين يتضح أن جملة “تحمي الدولة حقوق الطفل” تم حذفها بالكامل.
ثالثا: المادة رقم 55 والتي كان نصها كالآتي:
لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور الاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني، أو الأمن العام ،أو الصحة العمومية ،أو حماية حقوق الغير ،أو الآداب العامة.
ويجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها ومتلائمة مع دواعيها.
ولا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور. وعلى كل الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهّاك.
وبالمقارنة بين النصين اتضح إنه تمت إضافة جملة “نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير“، كما تمت إضافة فقرة كاملة وهي:
“ويجب ألا تمس هذه القيود بجوهر الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبررة بأهدافها، متناسبة مع دواعيها، لا يجوك لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور، على كل الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهاك”.
رابعًا: الفصل الستون من النسخة قبل التعديل الأخير، كانت كالتالي:
“يتم انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب لمدة خمس سنوات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة النيابية، إذا تعذر إجراء الانتخابات بسبب خطر داهم فإن مدة المجلس تمدد بقانون.
بينما جاء التعديل كالتالي:
يتمّ انتخاب أعضاء مجلس نوّاب الشّعب لمدّة خمس سنوات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدّة النّيابيّة، وإذا تعذّر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدّد بسبب حرب أو خطر داهم، فإنّ مدّة المجلس تمدّد بقانون.
إذا تعذّر إجراء الانتخابات بسبب خطر داهم فإنّ مدّة المجلس تمدّد بقانون”، موضوع الفصل الستّين، يُقرأ: “يتمّ انتخاب أعضاء مجلس نوّاب الشّعب انتخابا عامّا حرّا مباشرا سرّيا لمدّة خمس سنوات خلال الأشهر الثّلاثة الأخيرة من المدّة النّيابيّة وفق ما يضبطه القانون الانتخابيّ”.
بالمقارنة بين النص قبل وبعد التعديل يتضح إنه قد تم إضافة جملة في النص المٌعدل الجديد وهي” انتخابا عاما حرًا مباشرًا سريًا”.
خامسًا: الفصل التسعون
جاء النص قبل التعديل بهذا الشكل:
ينتخب رئيس الجمهورية لمدّة خمسة أعوام انتخابا عامّا، حرّا، مباشرا، سريّا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدّة الرئاسية.
وإذا تعذّر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدّد بسبب حرب أو خطر داهم، فإن المدّة الرئاسية تمدّد بقانون إلى حين زوال الأسباب التي أدّت إلى تأجيلها.
ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يجدّد ترشحه إلا مرّة واحدة.
أما بعد التعديل فصارت المادة بهذا الشكل:
وضا عن: “يُنتخب رئيس الجمهوريّة لمدّة خمسة أعوام انتخابا عامّا، حرّا، مباشرا، سرّيا، خلال الأشهر الثّلاثة الأخيرة من المدّة الرّئاسيّة.
وإذا تعذّر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدّد بسبب حرب أو خطر داهم، فإنّ المدّة الرّئاسيّة تمدّد بقانون إلى حين زوال الأسباب التّي أدّت إلى تأجيلها.
ولا يجوز لرئيس الجمهوريّة أن يجدّد ترشّحه إلاّ مرّة واحدة”، موضوع الفصل التّسعين، يُقرأ: “يُنتخب رئيس الجمهوريّة لمدّة خمسة أعوام انتخابا عامّا حرّا مباشرا سرّيا خلال الأشهر الثّلاثة الأخيرة من المدّة الرّئاسيّة وبالأغلبيّة المطلقة للأصوات المصرّح بها.
يُشترط أن يُزكِّي المترشّحَ أو المترشّحَة عددٌ من أعضاء المجالس النّيابيّة المنتخبة أو من النّاخبين وفق ما يضبطه القانون الانتخابيّ.
وفي صورة عدم حصول أيّ من المترشّحِين على الأغلبيّة المطلقة في الدّورة الأولى، تنظّم دورة ثانية خلال الأسبوعين التّاليين للإعلان عن النّتائج النّهائيّة للدّورة الأولى، ويتقدّم للدّورة الثّانية المترشّحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدّورة الأولى.
إذا توفّي أحد المترشّحِين في الدّورة الأولى أو أحد المترشّحَيْن في الدّورة الثّانية، يُعاد فتح باب التّرشّح وتُحدّد المواعيد الانتخابيّة من جديد في أجل لا يتجاوز خمسة وأربعين يوما. ولا يُعتدّ بالانسحاب لا في الدّورة الأولى ولا في الدّورة الثانية.
وإذا تعذّر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدّد بسبب حرب أو خطر داهم، فإنّ المدّة الرّئاسيّة تمدّد بقانون إلى حين زوال الأسباب التي أدّت إلى تأجيلها.
ولا يجوز توليّ رئاسة الجمهوريّة لأكثر من دورتين كاملتين متّصلتين أو منفصلتين.
وبالمقارنة يتضح إنه قد تمت إضافة جمل كاملة مثل: “وبالأغلبية المطلقة للأصوات المصرح بها ويشترط أن يزكي المترشح أو المترشحة عدد من أعضاء المجالس النيابية المنتخبة أو من الناخبين وفق ما يضبطه القانون الانتخابي، وفي صورة عدم حصول أي من المترشحين على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى تنظم دورة ثانية خلال الأسوعيين التاليين للإعلان عن النتائج النهائية للدورة الأولى ويتقدم للدورة الثانية المترشحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدورة الأولى.
سادسا: في الباب الخامس وتحديدا في الفصل الـ 125 كانت نص المادة كالآتي:
المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأوّل من أقدم رؤساء الدّوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكـمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.
ينتخب أعضاء المحكمة الدستورية من بينهم رئيسا لها طبقا لما يضبطه القانون.
إذا بلغ أحد الأعضاء سنّ الإحالة على التقاعد، يتم تعويضه آليا بمن يليه في الأقدمية، على ألاّ تقل مدّة العضوية في كل الحالات عن سنة واحدة.
أما بعد التعديل فجاء نص المادة كالآتي:
عوضا عن “المحكمة الدّستوريّة هيئة قضائيّة مستقلّة تتركّب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأوّل من أقدم رؤساء الدّوائر بمحكمة التّعقيب، والثّلث الثّاني من أقدم رؤساء الدّوائر التّعقيبيّة بالمحكـــمة الإداريّة، والثّلث الثّالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.
ينتخب أعضاء المحكمة الدّستوريّة من بينهم رئيسا لها طبقا لما يضبطه القانون.”، موضوع الفقرتين الأولى والثّانية من الفصل المائة والخامس والعشرين، يُقرأ:”المحكمة الدّستوريّة هيئة قضائيّة مستقلّة تتركّب من تسعة أعضاء تتمّ تسميتهم بأمر، ثلثهم الأوّل أقدم رؤساء الدّوائر بمحكمة التّعقيب، والثّلث الثّاني أقدم رؤساء الدّوائر التّعقيبيّة أو الاستشاريّة بالمحكـــمة الإداريّة، والثّلث الثّالث والأخير أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.
ينتخب أعضاء المحكمة الدّستوريّة من بينهم رئيسا لها ونائبا له طبقا لما يضبطه القانون”.
وبالمقارنة بين النصين يتبين أن النص المعدل تم خلاله إضافة عدة جمل مثل: “تتم تسميتهم بأمر“ وكذلك جملة “ينتخب أعضاء المحكمة الدستورية من بينهم رئيسًا لها ونائبا له طبقا لما يضبطة القانون“.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل أصدر مجموعة ملاحظات بشأن مراجعة مشروع الدستور موضوع الاستفتاء، وذكر فيها أن الإصلاحات لم تقتصر على تدارك الأخطاء الشكلية أو المادية التي وردت في نّص مشروع الدستور فحسب، بل اشتملت على مراجعة لمضامين بعض الفصول وتنقيحًا جوهريًا لأحكامها.
كما اعتبر اتحاد الشغل أن بعض التنقيحات المدخلة على الدستور، مثلت مراجعة إيجابية من شأنها تلافي ما اعترى بعض فصوله من إخلالات ونقائص وأهمها:
- مراجعة الفصل 55 من مشروع الدستور بإدراج عبارة التناسب بدل الملاءمة وحذف عبارة الآداب العامّة من مرجعات تقييد الحقوق والحريات الدستورية.
- مراجعة الفصل 90 بالتنصيص على أنّه لا يجوز تولّي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين متّصلتين أو منفصلتين.
- مراجعة الفصل 124 بالتنصيص على حقّ كلّ شخص في محاكمة عادلة في أجل معقول وعلى أنّ المتقاضين متساوون أمام القضاء وعلى أنّ حقّ التّقاضي وحقّ الدّفاع مضمونان.
- مراجعة الفصل 125 بالتنصيص على تسمية أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التّعقيب، وأقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية أو الاستشارية بالمحكمة الإدارية وأقدم أعضاء محكمة المحاسبات أعضاء بالمحكمة الدستورية.
التعليقات حول هذا المقال