سياسة الموقع لا تسمح بالتشهير أو انتهاك الخصوصية أو خطاب الكراهية أو المضايقات٬ ويتم حذف الانتهاكات فورًا.
رواية ”عبد الخالق“ عن الأزمة الاقتصادية التي ضربت أهالي قرية ”بني عفان“ خلال عام 2020 نظرًا لأزمة ”كورونا“ كانت أول ما توصل إليه فريق عملنا خلال رحلة بحث ميداني لتفنيد تصريحات حكومية حول النمو الاقتصادي.
إذ أعلن وزير المالية، محمد معيط أن مصر حققت معدل نموًا إيجابيًا خلال عام كورونا بلغ 3.6%، مؤكدًا ما سبق وأعلنه رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي في ديسمبر 2020 أن مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي حققت نموًا إيجابيًا خلال الجائحة.
وعلى الرغم من أن فريق عملنا اكتشف عدم صحة ادعاء الحكومة بأن مصر هي الدولة الوحيدة التي حققت نموًا إيجابيًا في ذلك العام، إذ حقق الاقتصاد الصيني نموًا بنحو 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما حقق الاقتصاد التركي نموًا بنحو 1.8%.
إلا أن فريق عملنا في ”تفنيد“ كشف أن النمو الاقتصادي لم يكن له ظلًا على واقع ملايين من المصريين، وهو ما لم نرصده فقط من بحثنا الميداني بـ 10 قرى بينهم قرية ”بني عفان“، ولكن أيضًا رصدناه في بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن 73.5% من الأسر انخفضت دخولهم خلال أزمة كورونا وأقل من 1% ارتفعت دخولهم، مشيرً إلى أن 50 % من الأسر المصرية اقترضت من الغير.
وأكد التقرير أن 17% من الأسر اعتمدت على مساعدات أهل الخير و 5.4% من الأسر حصلت على منحة العمالة غير المنتظمة خلال عام 2020 إثر جائحة كورونا.
تلك المؤشرات التي كشفها “المركزي للتعبئة والإحصاء” كانت الدليل الأول على أن المواطن لم يشعر بآثار النمو في عام كورونا، بل زادت معاناته .
لم يكن بيان المركزي للإحصاء هو المؤشر الرسمي الوحيد على أن المواطن لم يشعر بالنمو الاقتصادي خلال أزمة كورونا، إذ صرحت وزيرة التخطيط هالة السعيد، بأن أزمة كورونا تسببت في فقد الأنشطة الاقتصادية أكبر عدد من المشتغلين والتي شملت الأنشطة الخاصة بالصناعات التحويلية، والنقل والتخزين، والجملة والتجزئة، ونشاط الغذاء والإقامة.
مشيرة إلى أن الأزمة أثرت على الحالة الوظيفية لمعظم الأفراد إما من خلال التعطل أو العمل المتقطع أو انخفاض ساعات العمل، حيث تغيرت الحالة الوظيفية لنحو 70% من إجمالي الأفراد.
وهو ما أكده تقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “اليونيدو” الصادر في 8 أكتوبر 2020، والذي كشف أن أداء الصناعات المصرية تراجع بنسبة 25.4% منذ بداية جائحة كورونا.
إذ تأثرت بشكل بالغ بانخفاض المبيعات المحلية وتراجع الصادرات، كما تأثرت سلبا القوى العاملة والتمويل والسيولة وخطوط الإنتاج ومدفوعات الضرائب.
الواقع الاقتصادي للمواطنين، دفعنا للإجابة على سؤال هام، ما هو تعريف النمو الاقتصادي؟ وهل يجب أن يشعر به المواطن في حياته اليومية؟
تُعرِف المؤسسات الدولية النمو الاقتصادي بأنه ارتفاع تدفق الإنتاجيّة الاقتصادية في دولة معينة؛ من خلال ارتفاع إنتاج السلع والخدمات في مدة زمنية محددة مع استبعاد آثار التضخم الاقتصادي.
وهو ما يعني أن حالة النمو يجب أن تنعكس على زيادة أرباح الشركات من خلال ارتفاع قيمة أسهمها المالية؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة استثماراتهم، وزيادة طلبهم على الأيدي العاملة، مما يساهم في خفض معدلات البطالة ورفع معدل دخل الأفراد، وتحسين مستوى معيشتهم.
مؤشرات النمو الاقتصادي يجب أن تؤثر بشكل مباشر في عملية التنمية الاقتصادية التي يشعر بها المواطن في صورة توفير فرص عمل أفضل، أو زيادة الدخل الشهري، أو تحسن في الأسعار والخدمات.
هذا التعريف للنمو الاقتصادي ومؤشراته، لا يتطابق مع الحالة الاقتصادية التي عايشها المصريون خلال أزمة كورونا، وهو ما دفع فريق عملنا للعودة مجددًا إلى البيانات الرسمية، للبحث عن مصادر نمو الاقتصاد المصري خلال عام كورونا.
بتتبع إصدارات وزارة المالية حول القطاعات التي تعتمد عليها مصر في قياس معدل النمو خلال العام المالي 2019/2020، وبالتحليل الكمي والكيفي لقيمة كل قطاع ونسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، ونسب نمو كل قطاع اكتشفنا ما يلي:
القطاعات الأبرز في النمو وفقًا للإحصائيات الرسمية هي الأقل في نسبة المساهمة بالناتج المحلي الإجمالي.
إذ تحتل قطاعات ( الاتصالات – والتشييد والبناء – والنقل والتخزين – والخدمات الأخرى – والأنشطة العقارية – وقطاع الحكومة العامة ) المراكز المتقدمة من حيث نسبة النمو، بينما تساهم مجتمعة بنسبة 33.4% من الناتج المحلي الإجمالي فقط.
لا يعتمد الاقتصاد المصري على القطاعات الانتاجية بشكل أساسي في عمليات النمو، إذ يعتمد على القطاعات الريعية والخدمية والاستهلاكية، وهو ما يتسبب في ضعف جذب الاستثمارات وضعف الأرباح بتلك القطاعات، وعجز الاقتصاد عن تقديم عدد أكبر من فرص العمل.
الاقتصاد الريعي: هو الاقتصاد الذي يعتمد على المصادر الطبيعية في إيراداته، مثل استخراج المعادن والنفط، وعائدات المرور بالممرات المائية ( مثل قناة السويس )، ولا يهتمّ بالقطاعات الانتاجية مثل الصناعة.
اعتماد القطاعات الانتاجية على سلع وسيطة مُستوردة، ما يتسبب في ضعف هامش الربح، نتيجة اعتماده على الاستيراد بالعملات الأجنبية ضمن تكاليف الانتاج، كما هو الحال بقطاع الصناعات التحويلية.
تآكل ثمار النمو نتيجة استهلاك 568.4 مليار جنيه أي نحو 36.1% من الإنفاق الحكومي لسداد فوائد القروض بموازنة عام 2019/2020، بسبب ارتفاع معدلات الدين المحلي والخارجي إلى مستويات غير مسبوقة.
إذ بلغ الدين الخارجي لمصر نحو 129.2 مليار دولار حتى نهاية ديسمبر 2020، بنمو %14.7على أساس سنوي، بينما بلغت قيمة الدين العام الداخلي قرابة 200 مليار دولار.
يُذكر أن هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال، كان قد أصدر قرار بإغلاق الشركة القومية للأسمنت، بعد 3 أشهر من توليه منصبه، فيما قامت القوات المسلحة بإنشاء مصنع للأسمنت بمحافظة بني سويف عام 2018.
أظهر تقرير لمؤسسة “آي إتش إس ماركت” العالمية للأبحاث، مؤشرات سلبية لأداء القطاع الخاص في مصر عام 2019/2020، وسجل التقرير خلال شهر أبريل 2020 أسوأ أداء له منذ 9 سنوات عند مستوى 29 نقطة.
فيما رصد المؤشر في نوفمبر 2020، أن شركات القطاع الخاص خفضت مستويات التوظيف للشهر الثالث عشر على التوالي منذ نوفمبر 2019، لكن معدل الخفض كان هو الأبطأ مقارنة بباقي الأشهر التي سبقته.
ما دفع فريق “تفنيد” للبحث عن من هو المستفيد من هذا النمو وأين يذهب، ما دام لم يلمس القطاع الخاص هذا النمو؟
بمراجعة المشروعات الأساسية التي نفذتها مصر في القطاعات التي شهدت نمو، لاحظ فريق عملنا أن هناك عنصر أساسي مساهم في تلك القطاعات وهو الجيش المصري، الذي يعمل بسرية تامة داخل النشاط الاقتصادي المحلي دون وجود أرقام واضحة لحجم نشاطه، إلا أنه يعد أحد أبرز المستفيدين من النمو الاقتصادي الحاصل في البلاد.
فبالعودة إلى قطاع التشييد والبناء الذي حقق نمو بنحو 15.7% في الناتج المحلي، نجد أنه وفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، فإنه منذ عام 2013، اجتاح الجيش قطاع البناء، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى قدرات الجيش المصري الهندسية، وامتلاكه الموظفين المُتاحين للعمل، وسرعة إنجازه للأعمال؛ مما حوله إلى أكبر مقاول بناء في البلاد، وأسهم في وجوده بقوة داخل مشاريع العاصمة الإدارية الجديد.
بحث فريق عملنا في المصادر المفتوحة الخاصة بالقوات المسلحة، في محاولة للتحقق من الوصف الذي أطلقته ”فينانشيال تايمز“ على الجيش في مجال التشييد والبناء، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات أو بيانات رسمية مُعلنة عن حجم نشاط الجيش في هذا المجال، إلا أننا اكتشفنا توغل المؤسسة العسكرية بهذا القطاع.
إذ بمراجعة الموقع الرسمي لوزارة الدفاع، فإن الموقع قد خصص قسمًا خاصًا تحت عنوان ”المشروعات القومية“، وبمطالعة القسم فإنه ينقسم إلى 17 محور، جميعها لها علاقة بالمشروعات المدنية والاقتصادية انخرطت القوات المسلحة فيها.
وبالتحليل الكيفي لمحاور المشروعات القومية التي يشرف عليها الجيش، فإن 8 منها تتعلق بشكل مباشر بقطاع البناء والتشييد، وهي ( الإسكان – الطرق – الكباري والأنفاق – الإنشاءات والتطوير – المنشآت التعليمية – المنشآت الرياضية والتثقيفية والترفيهية – إنشاء وترميم المنشآت الدينية المُضارة – تطوير المناطق العشوائية ).
وهو ما يكشف تراجع دور القطاع الخاص والشركات المدني في هذا القطاع، وبالتالي استحواذ الجيش على عائدات النمو بالقطاع، فيما لم يشعر بها المواطن المدني.
وهذا ما حذر منه النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي ديفيد ليبتون، خلال زيارة بعثة الصندوق لمصر لمراجعة الإجراءات الخاصة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، من توسع عمل شركات مملوكة للقوات المسلحة، تحت كيانات تبدو ظاهريا ملكيات خاصة، مما يدفع القطاع الخاص للهروب.
وفيما يتعلق بقطاع الصناعة الذي حقق نمو بنحو 11.2% في الناتج المحلي الإجمالي، فيمتلك الجيش المصري مرافق تصنيع لإنتاج الأسمنت والصلب والمركبات (سيارات الركاب وسيارات مترو الأنفاق وعربات السكك الحديدية والجرارات)، إضافة إلى امتلاكه مصانع لتصنيع الأدوية والأغذية المصنعة والمكررة والأجهزة المنزلية وأدوات المطبخ وأجهزة الكمبيوتر والمعدات البصرية.
سيطرة الجيش على القطاعات الإنتاجية الأهم، واعتماد الاقتصاد بشكل كبير على قطاعات غير انتاجية تسبب في تآكل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنصيب الفرد في باقي الدول التي حققت نموًا في ذات العام.
إحصل علي جديد الأخبار
التعليقات حول هذا المقال