البلد
: العراقالقصة
كتب: علي الأعرجي
في حديث لصحيفة “الصباح” الحكومية، يوم 25 مارس 2024، وفي سياق حديثه عن مدى تضرر محافظة البصرة من آثار الحروب والانبعاثات الكربونية بصفتها عاصمة النفط في العراق، قال مهدي التميمي، مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة البصرة، إن “9 إلى 10 آلاف إصابة بالسرطان تحدث سنويًا في المحافظة، وهذه الأرقام يمكن أن تزيد خلال السنوات المقبلة إذا بقي الحال على ما هو عليه”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث “وينفرد” التميمي بهذا الرقم عن عدد الإصابات السرطانية في محافظة البصرة سنويًا، إذ قال هذا الرقم أيضًا في لقاء على قناة “دجلة” الفضائية في مايو 2023.
وعلى قناة “العراقية” الحكومية في يونيو 2023، قال التميمي إن الحصول على الإحصاءات بات أمرًا صعبًا للغاية، ولكن وفقًا لما حصلنا عليه من إحصاءات لأعوام 2018 و2019 و2020، فإن الرقم تجاوز 9 آلاف إصابة بالسرطان.
توجه فريق “تفنيد” إلى الأرقام الحكومية الرسمية للتحقق من عدد الإصابات بالسرطان المسجلة في محافظة البصرة سنويًا، ووجدنا أن الجهاز المركزي للإحصاء يظهر أن إصابات البصرة كانت في أعلى مستوى لها في عام 2021 وبلغت 2858 إصابة، ولم تصل إلى 9 أو 10 آلاف إصابة.
ويظهر جهاز الإحصاء، أن البصرة سجلت في 2015 أكثر من 1900 إصابة بالسرطان، وفي 2017 سجلت 2194 إصابة، وفي 2019 سجلت 2428 إصابة، و2020 سجلت 2339 إصابة، وفي 2021 سجلت 2858 إصابة، وذلك من إجمالي إصابات السرطان في العراق البالغة أكثر من 35 ألف إصابة في عام 2021.
وكان أعلى عدد إصابات بالسرطان قد سجلتها محافظة بغداد، وتتراوح بين 7 و9 آلاف إصابة سنويًا، أما أعلى معدل إصابات لكل 100 ألف نسمة، غالبًا يسجل في كربلاء بأكثر من 103 إلى 111 إصابة لكل 100 ألف نسمة، ولكن في 2019 سجلت بغداد 111 إصابة لكل 100 ألف نسمة لتكون الأولى والنجف 108 وبعدها كربلاء، ولكن في 2020 و2021 عادت كربلاء متصدرة بمعدل الإصابات بالنسبة للسكان.
ولكن مع شمول إقليم كردستان، يتبين أن محافظات الإقليم تتصدر معدلات الإصابة بالسرطان، كما يظهر تقرير مجلس السرطان العراقي لعام 2021، حيث جاءت السليمانية أولًا وأربيل ثانيًا تليها كربلاء، وبغداد والنجف، ومن ثم البصرة بالمرتبة السادسة.
تواصل فريق “تفنيد” مع المدّعي، للتأكد من حقيقة تصريحه، ووضع ما توصلنا إليه من أرقام أمامه، فأكد بالفعل أنه صرّح بهذا، وعندما عرضنا عليه أرقام وزارة الصحة والجهاز المركزي للإحصاء التي تشير لإصابات أقل بكثير مما يتحدث عنها ولم تصل حتى إلى 3 آلاف إصابة، قال مهدي التميمي ما نصه: “ليس كل ما يُعرف يُقال، لدينا وثائق من الصحة ذاتها”.
وعندما طالبناه بالوثائق، قال: “الوثائق موجودة في المكتب، إذا تحب تزورنا نريك، أما نشرها فعذرًا، والأرقام ليست وليدة تصريح جريدة الصباح، والرصد يتم بـ3 محاور هي وثائق صحة البصرة؛ ورصد ميداني من زيارات؛ وإحصاءات لبؤر ثم نسبة وتناسب”.
وشكك المدعي في تقارير وزارة الصحة السنوية المنشورة في وسائل الإعلام، والتي تتضارب مع تقارير دائرة صحة البصرة.
حاول فريقنا التواصل مع الدكتور سيف البدر، المتحدث باسم وزارة الصحة، والدكتور عباس التميمي، مدير صحة البصرة، ولكنّ أحدًا منهم لم يجب.
بعدها تواصلنا مع الدكتور تحسين الربيعي، أمين عام مجلس السرطان في العراق، والذي أكد أن الأرقام لا تحضره الآن، ولكنه تعجب من ادعاء مفوضية حقوق الإنسان بالبصرة امتلاك أرقامًا تخالف المعلن في تقارير وزارة الصحة والجهاز المركزي للإحصاء.
وتواصلنا مع خالد السلامة، مدير إعلام صحة البصرة، وقال: “نحن غير مخولين بإعطاء إحصاءات وفق تعليمات الوزارة، وبالأساس لا ترسل الأرقام إلى دائرة صحة البصرة، بل إلى الوزارة بشكل مباشر من خلال مركز الأورام في البصرة.
تواصلنا أيضًا مع الدكتور رافد عادل عبود، مدير مركز الأورام السرطانية في البصرة، والذي قال: “مستحيل أن تصل الإصابات إلى 9 آلاف سنويًا، وتصريحات المفوضية غير دقيقة، والعدد يبلغ 2200 إصابة جديدة سنويًا فقط”.
وبعد الجولة الطويلة بين مسؤولي وزارة الصحة ودائرة صحة البصرة، وبعد رفض الأمين العام لمجلس السرطان في العراق، وكذلك مدير مركز الأورام السرطانية في البصرة، أرقام الادعاء، عدنا مجددًا إلى المدعي، لتحديد موعد ليطلعنا على الوثائق التي يمتلكها وتثبت أرقامه، إلا أنه رغم مرور 5 أيام، لم يُمكنا من ذلك، وقال إنه “غير ملزم بتزويدنا بالوثائق”.
تطور السرطان في العراق منذ 1994 حتى 2021:
ويظهر تقرير مجلس السـرطان في العراق، أن معدل الإصابة بالسـرطان لكل 100 ألف نسمة ارتفع بنسبة كبيرة منذ 1994، عندما كان المعدل نحو 39 إصابة لكل 100 ألف نسمة، ليرتفع لأعلى مستوى في 2019 وبلغ حينها 91.6 إصابة لكل 100 ألف نسمة، وانخفض في 2020 وعاد للارتفاع في 2021 إلى حوالي 87 إصابة لكل 100 ألف نسمة.
ويظهر التقرير أيضًا، أن معدل إصابة الذكور بالسـرطان انخفض بين 1994 و2021، من 54.4 إلى 43.4 إصابة لكل 100 ألف نسمة، وفي المقابل ارتفع معدل الإصابة للإناث من 45.6 إلى 56.6 إصابة لكل 100 ألف نسمة خلال الفترة الزمنية ذاتها.
الفئات العمرية وأنواع السرطان الأكثر شيوعًا:
يشير التقرير إلى أن الفئة العمرية الأكبر إصابة بالسـرطان هي المحصورة بين 65 و70 عامًا، حيث يصاب 25.3 من كل 100 ألف نسمة، تليها الفئة العمرية 70 إلى 75 سنة، حيث يصاب 21.3 من كل 100 ألف نسمة، ثم الفئة العمرية 60 إلى 65 سنة، ومن ثم 50 إلى 55 سنة.
أما أعلى 10 أنواع سرطانات تسجيلًا في العراق، فيتصدرها سرطان الثدي بنسبة 30.6% من إجمالي الإصابات، تليها القصبة الهوائية والرئة بنسبة 11.8%، ثم القولون والمستقيم 10.5%، وبعدها الدماغ والجهاز العصبي، ومن ثم المثانة والمجاري البولية، وبعدها سرطان الغدة الدرقية، وتليها الدم، ومن ثم الغدد اللمفاوية، والبروستاتا، أما سرطان الجلد والأنواع الأخرى ففي المرتبة الأخيرة وتشكل 5% من إجمالي الإصابات.
التعليقات حول هذا المقال