البلد
: تونسالقصة
كتبت : ريمان بارود
يقول منذر الونيسي، رئيس حركة النهضة بالنيابة في تونس، “إن تونس دخلت في مرحلة الانهيار القيمي، وأصبحنا نشتم ونلعن ونصف بعضنا بالخيانة، لم تكن موجودة من قبل، حتى في بورقيبة لم يتحدث عن الخيانة، في عهده عمل محاكمة واحدة لجماعة انقلاب 1962، وهي المحاكمة الوحيدة الجدية والباقي معارك سياسية، نفس الشيء بن علي، عمل قضية تآمر واحدة لجماعة براكة الساحل ووضعهم في السجن، لكن الآن عندنا 12 قضية تآمر على الدولة”، وذلك في حوار أجراه مع موقع “مجلة 24”.
تحقق فريق “تفنيد” من تصريح رئيس حركة النهضة بالنيابة، وتبيّن أنه يحمل بعض “التضليل”، إذ شهدت فترة حكم الحبيب بورقيبة، اتهام المئات بالتآمر على أمن الدولة وليس فقط من جماعة انقلاب 1962، ووصلت عقوبة بعضهم إلى الإعدام.
وعلى الرغم من أنه في عهد بن علي كانت هناك محاكمة واحدة للتآمر على أمن الدولة، إلا أنها شملت أكثر من 90 متهمًا، وعرفت فترته باسم “دولة البوليس” لكثرة محاكماته السياسية.
التآمر على أمن الدولة:
ولخطورة الجرائم الواقعة على أمن الدولة، وضع المشرّع التونسي 20 فصلاً في المجلة الجزائية عن جريمة “الاعتداءات على النظام العام” والعقوبات المستوجبة لها، وتبدأ عقوباتها من السجن لمدة عامين وغرامات مالية وصولاَ إلى الإعدام.
- اتهام بورقيبة بالتآمر على أمن الدولة:
في 1938 وجّهت تهمة التآمر على أمن الدولة للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، برفقة عدد من أعضاء الحزب الدستوري، وذلك بعد خروجهم في مظاهرات ضد المستعمر الفرنسي، إذ يعود النص التشريعي على جريمة التآمر على أمن الدولة إلى عام 1926 من قبل المستعمر الفرنسي، حيث صدر مرسوم بيلي بتاريخ 29 يناير 1926 لقمع الجرائم السياسية، متمثلة في الاعتداء على الأمن الخارجي والداخلي للدولة التونسية أو الحماية الفرنسية.
ولكن سرعان ما تحّول بورقيبة من متّهم إلى حاكم يوجّه الاتهامات لمعارضيه السياسيين، إذ بعد استقلال تونس وتولي بورقيبة الحكم، أجرى العديد من التعديلات على القوانين المتعلقة بتهمة التآمر على أمن الدولة، مستغلاً ذلك في تقييد معارضيه.
في “تفنيد” نتتبع مجموعة من الحالات التي تم توجيه تهمة “التآمر على أمن الدولة” فيها لمعارضين في زمن بورقيبة، بحسب ما جاء في مقال نشر على موقع المفكرة القانونية، وهي:
- محاولة انقلاب 1962.. وجه بورقيبة تهمة التآمر على الدولة لـ23 متهمًا حكم على 11 منهم بالإعدام.
- سنة 1968.. أحيل 108 أشخاص من المنتمين إلى حركة “برسبكتيف” على محكمة أمن الدولة بتهمة التآمر على أمن الدولة، ووقع الحكم عليهم بعقوبات بالسجن وصلت إلى 20 سنة مع الأشغال الشاقة.
- في سنة 1970.. وجه اتهام للوزير أحمد بن صالح بالخيانة العظمى، وحكم عليه بـ10 سنوات سجنًا مع الأشغال الشاقة.
- سنة 1974.. حوكِم 202 شخص من المنضوين تحت لواء “العامل التونسي”، من أجل ذات التهمة.
- التآمر على أمن الدولة في زمن بن علي:
لم يختلف الرئيس السابق زين العابدين بن علي عن سلفه كثيرًا، فقد غلبت على عهده المحاكمات السياسية، التي لاحقت السياسيين والإعلاميين وعدد من الشخصيات المعارضة له إلى أن أطلق على فترة حكمه “دولة البوليس”.
أما بخصوص تهمة التآمر على أمن الدولة، والتي كانت أبرز المحاكمات السياسية، فقد تم توجيهها في حقّ مجموعة من العسكريين حاولوا الانقلاب على الحكم، وعُرفت بقضية “برّاكة الساحل” سنة 1991، حيث بلغ عدد الموقوفين 244 عسكريًا قُسِّموا إلى مجموعتين بعد التوقيف والاعتقال والاستنطاق والتعذيب.
المجموعة الأولى تضم 93 عسكريًا، وتم تحويلهم إلى سجن 9 أبريل لاستكمال البحث والمقاضاة، وحُكم عليهم فيما بعد بأحكام تراوحت من سنة ونصف إلى 16 عامًا، أما المجموعة الثانية فبلغ عددها 151 شخصًا، وتم تسليمهم إلى إدارة الأمن العسكري، لإخلاء سبيلهم.
- التآمر على أمن الدولة في أثناء حكم قيس سعيد:
بعد الثورة التونسية سنة 2011، وفي فترة حكم الرئيس السابق الباجي السبسي، اختفت المحاكم السياسية، لتعود في حكم قيس سعيد وخاصة بعد 25 يوليو 2021، ويعد هذا اليوم فاصلاً في حياة التونسيين، حيث قام سعيّد باتخاذ تدابير استثنائية، تمثلت في تعطيل البرلمان وقتها وإقالة الحكومة، وترتب عليها تعديل الدستور التونسي، إلى جانب العديد من التغييرات على المستوى السياسي والاقتصادي.
وبعد فترة وجيزة من إعلان التدابير الاستثنائية طفت على الساحة التونسية عدد من الإيقافات والاعتقالات تحت تهمة التآمر على أمن الدولة، لتعود هذه التهمة للظهور.
وتعليقًا على ذلك قال المحامي والقاضي الإداري السابق أحمد صواب، في تصريحات صحفية لموقع نواة: “سجّلنا أرقامًا قياسية في الإحالات بتهمة التآمر على أمن الدولة، في ظرف سنة ونصف سجّلنا 7 ملفات تآمر على أمن الدولة، وهي أكثر من الملفات التي تم تسجيلها خلال فترة الاستعمار”.
وفي “تفنيد” نرصد أهم الإيقافات بتهمة التآمر على أمن الدولة في فترة حكم قيس سعيد، والتي تصل عقوبة مرتكبها إلى الإعدام:
- في 10 سبتمبر 2021.. فيما يسمى بقضيّة أنستالينغو، وهي قضية تجمع بين غسيل الأموال وتبديل هيئة الدولة، شملت 33 متهمًا بالتآمر على أمن الدولة، وكان راشد الغنوشي مشتبهًا به في هذه القضية، ليرتفع العدد فيما بعد إلى حوالي 51 متهمًا، من بينهم 12 مودعًا بالسجن.
كما تم إصدار 8 بطاقات جلب دولية في حق عدد من الفارّين بالخارج والبقية في حالة سراح، وبعد استكمالها مؤخرًا قررت المحكمة حفظ التهم في حق 15 مشتبهًا به من بينهم صحفية، وإحالة 36 متهمًا إلى دائرة الاتهام بحالة سراح أو إيقاف.
- في 31 مارس 2022.. تم التحقيق ضد النواب المشاركين في جلسة عامّة افتراضية للبرلمان المنحل، بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي والاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة، وتم الاستماع إلى 7 نواب خلال الأسبوع الموالي للجلسة العامة الافتراضية، من بينهم رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي وطارق الفتيتي النائب الثاني لرئيس المجلس الّذي أشرف على الجلسة الافتراضية.
- في فبراير 2023.. بدأت سلسلة الاعتقالات والإيقافات، وعليها في 25 فبراير أصدرت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بطاقة إيداع بالسجن في حق كمال لطيف؛ والقيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي؛ والناشط السياسي خيام التركي؛ ورضا بلحاج؛ وشيماء عيسى؛ وجوهر بن مبارك؛ من جبهة الخلاص، وغازي الشواشي الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي؛ وعصام الشابي أمين عام الحزب الجمهوري، بتهمة التآمر على أمن الدولة والتخطيط لتنفيذ انقلاب على الرئيس قيس سعيّد، وتم إطلاق سراح عدد منهم فيما بعد.
وتكشف الوقائع الأخيرة، عدم وجود فرق بين الرئيس الحالي قيس سعيّد وسابق أسلافه، فقد تم إيقاف عشرات الأشخاص تحت تهمة التآمر على أمن الدولة وتبديد هيبتها خلال العامين الأخيرين، وإلى الآن مازال هناك العديد من الموقوفين لم يتم البت في قضاياهم بعد.
التعليقات حول هذا المقال