البلد
: تونسالقصة
كتب: نورهان كاهنة
يكثر النقاش في تونس حول الوضعيّة الاقتصاديّة والماليّة للمنشآت العموميّة وعائداتها وإسهاماتها في انتعاشة الاقتصاد والماليّة العموميّة، وذلك في إطار مقارنات لا تحصى بين ماض سابق للثورة التونسيّة وحاضر لاحق لها. وفي هذا الصدد، قال رضا قويعة، الخبير الاقتصادي التونسي، إنّ شركة فسفاط قفصة وقطاع الفوسفات كانا يضخّان 2.2 مليار دينار في ميزانيّة تونس قبل الثورة، والتّي كانت تتراوح بين 18 و19 مليارا، وذلك خلال حضوره برنامج “Eco Mag”، على إذاعة “Express FM”، يوم 9 مايو 2025.
ونقدّم في هذا الصدد تقريرا أعدّه فريق “تفنيد” نستعرضُ فيه حقائق حول تطوّر إنتاج الفوسفات في تونس وعائداته التصديريّة فضلا عن مداخيل شركة فسفاط قفصة ووضعيّتها الماليّة.
تطوّر إنتاج تونس من الفوسفات:
تتبعنا في مرحلة أولى، تطوّر إنتاج الفوسفات في تونس قبل الثورة التونسيّة في سنة 2011 وبعدها، فاكتشفنا أنّ تونس حقّقت إنتاجا 8.131 ملايين طن من الفوسفات سنة 2010، مقابل 7.398 ملايين طن في 2009، و7.623 ملايين طن في 2008، و8.005 ملايين طن في 2007؛ فيما كان بلغ أعلى مستوياته في سنة 2000 ببلوغه 8.3 ملايين طن، وذلك وفقا لبيانات تنشرها وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسيّة على موقعها الإلكتروني الرسمي.
ووفقا لذات المصدر، تراجع إنتاج تونس من الفوسفات إلى 2.281 مليون طن في سنة 2011، ومنها إلى 2.605 مليون طن في 2012، ولم يتجاوز مستوى 3.949 ملايين طن طيلة الفترة بين 2013 و2023.
وبرمجت شركة فوسفات قفصة رفع نسق إنتاجها إلى 5 ملايين طن في سنة 2024، وفقا لما نقلته وثيقة الميزان الاقتصادي لسنة 2024 الصادرة عن وزارة التخطيط والاقتصاد في ديسمبر 2023؛ وكان عبد القادر عميدي، مدير شركة فوسفات قفصة، صرّح في حوار مع جريدة “الصباح نيوز”، نُشر بتاريخ 1 نوفمبر 2024، بأنّ الشركة تتوقّع أن يبلغ الإنتاج 3.1 ملايين طن في نهاية 2024.
ولا تتوفّر بعد بيانات رسميّة متاحة حول حجم إنتاج الفوسفات الفعلي في سنة 2024؛ في وقت تتداول وسائل إعلام محليّة بيانات تذكر أنّها تحصّلت عليها من مصادر مطّلعة بشركة فوسفات قفصة، ونقلتها عنها مؤسسات حكوميّة أجنبيّة مثل وزارة الاقتصاد والماليّة الفرنسيّة، تُفيد بأنّ الإنتاج النهائي للمادة تراوح بين 3.03 و3.2 ملايين طن فقط في كامل السنة.
ويرصد “تفنيد”، في الرسم البياني التالي، بيانات تاريخيّة حول إنتاج الفوسفات في تونس استنادا إلى بيانات وزارة الصناعة والمناجم والطاقة:
واستنادا للبيانات التي أوردناها في الرسم البياني السابق، نتبيّن أنّه قبل الثورة التونسيّة وطيلة فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي التّي امتدّت 23 سنة بين 7 نوفمبر 1987 و14 يناير 2011، قدّر المعدّل السنوي لإنتاج الفوسفات بحوالي 7.486 ملايين طن؛ فيما قُدّر معدّل الإنتاج السنوي للفوسفات بين 2011 و2024 بـ3.194 ملايين طن فقط. فبحث فريق “تفنيد” عن تطوّر العائدات التصديريّة للقطاع فضلا عن مداخيل شركة فوسفات قفصة وأرباحها الصافية.
تطوّر عائدات تونس من قطاع الفوسفات التصديريّة:
تتبعنا في خطوة ثانية، تطوّر العائدات التصديريّة لقطاع المناجم والفوسفات ومشتقاته، فتوصلنا إلى أنّها بلغت 3322.8 مليون دينارا في سنة 2008، وانخفضت إلى 1660.2 مليون دينارا في 2009، ومنها إلى 2158.3 مليون دينارا في 2010، وتراجعت مجددا إلى 1300.6 مليون دينار في 2011، وذلك وفقا للنشرة الشهريّة للإحصائيّات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في ديسمبر 2010 و2011.
وارتفعت العائدات التصديريّة لقطاع الفوسفات إلى 1649.6 مليون دينارا في سنة 2012، وبلغت 1657.9 مليون دينارا في 2013، ثم تراجعت بشكل طفيف إلى 1618 مليون دينارا في 2014، وفقا لبيانات أوردها المعهد الوطني للإحصاء في نشرته الإحصائيّة السنويّة 2010 – 2014.
وتواصل تراجع الفوسفات في سنة 2015، حيث بلغت 1110.4 ملايين دينار، إلّا أنّها ارتفعت لتبلغ 1434 مليون دينارا في 2016، ثمّ 1411.8 مليون دينارا في 2017؛ وفي سنة 2018 تراجعت إلى 1373.6 مليون دينارا، ثمّ ارتفعت إلى 1666.7 مليون دينارا في 2019، لكنّها تراجعت مجدّدا إلى 1259.4 مليون دينارا في 2020، ووفقا للبيانات الواردة في النشرتين الشهريّتين للإحصاء الصادرتين في ديسمبر 2017 و2019.
وفي سنة 2021 بلغت عائدات تونس التصديريّة من قطاع المناجم والفوسفات ومشتقاته 2307.3 ملايين دينار، وارتفعت إلى 3601 مليون دينار في 2022، ثمّ تراجعت إلى 2672.1 مليون دينارا في 2023، ومنها إلى 1969.5 مليون دينارا في 2024، وذلك وفقا لنشرتي الإحصاءات الشهريّة لديسمبر 2023 و2024.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر عائدات تونس التصديريّة من قطاع المناجم والفوسفات ومشتقاته بين 2008 و2024 استنادا إلى المصادر السابق ذكرها:
كيف تطوّرت مداخيل شركة فسفاط قفصة وأرباحها الصافية قبل الثورة التونسيّة وبعدها؟
تتبعنا في خطوة موالية، تطوّر مداخيل شركة فسفاط قفصة، فاكتشفنا أنّها بلغت 240 مليون دينارا في سنة 2004، وارتفعت إلى 290 مليون دينارا في 2005، و330 مليون دينارا في 2006، ثمّ 403 ملايين دينار في 2007، ومنها إلى 1406 ملايين دينار في 2008، وذلك وفقا للتقرير السنوي للشركة لسنة 2008.
وتراجعت مداخيل الشركة إلى 613 مليون دينارا في 2009 ثمّ ارتفعت إلى 783 مليون دينارا في 2010، ومنها إلى 590 مليون دينارا في 2011؛ وارتفعت مجدّدا إلى 957 مليون دينارا في 2012، ثمّ انخفضت إلى 422 مليون دينارا في 2013، و515 مليون دينارا في 2014؛ ولا تتوفّرُ بيانات بشأن مداخيل سنة 2015، حيثُ توقّفت الشركة عن نشر تقاريرها السنويّة على موقعها الرسمي منذُ 2014.
عمّقنا بحثنا في تقارير المنشآت العموميّة الصادرة عن وزارة المالية في السنوات 2020 و2021 و2024 و2025 كملاحق لقوانين الماليّة لذات السنوات، فاكتشفنا أنّ مداخيل شركة فسفاط قفصة كانت بلغت 482.4 مليون دينارا في 2016، و486.8 مليون دينارا في 2017، وارتفعت إلى 515.5 مليون دينارا في 2018، ومنها إلى 579.2 مليون دينارا في 2019، ومنها إلى 406.4 ملايين دينار في 2020، لترتفع مجدّدا إلى 756 مليون دينارا في 2021، ومنها إلى 1378 مليون دينارا في 2022، ثمّ تراجعت إلى 870.3 مليون دينارا في 2023.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر مداخيل شركة فسفاط قفصة بين 2004 و2024 استنادا إلى بيانات المصادر السابق ذكرها:
هنا وجد فريق “تفنيد” أن السؤال الواجب طرحه، هو عن “تطوّر الأرباح الصافية للشركة”، وإن كانت مداخيلها تعكس وضعيّتها الماليّة الحقيقيّة؟
عمّقنا بحثنا في التقارير السنويّة للشركة، فاكتشفنا أنّ أرباحها الصافية كانت بلغت 2.5 مليون دينار في سنة 2004، ثمّ ارتفعت إلى 47 مليون دينارا في 2005، وإلى 54 مليون دينارا في 2006، و99 مليون دينارا في 2007، ومنها إلى 951 مليون دينارا في 2008؛ وتراجعت إلى 269 مليون دينارا في 2009، ثمّ شهدت تحسّنا طفيفا في 2010، حيثُ بلغت 375 مليون دينارا، وذلك وفقا للتقارير السنويّة للشركة السابق ذكرها.
وعقب الثورة التونسيّة، سجّلت المرابيح الصافية لشركة فسفاط قفصة تراجعا ملحوظا، حيثُ بلغت 175 مليون دينارا في 2011؛ ولئن ارتفعت إلى 475 مليون دينارا في سنة 2012 فإنّها انخفضت مجدّدا إلى 24 مليون دينارا في 2013، ثمّ 43 مليون دينارا في 2014، وفقا لذات المصادر.
ووفقا لتقارير المنشآت العموميّة السابق ذكرها، تكبّدت الشركة خسائر ماليّة في سنة 2016، إذ كانت حصيلتها الماليّة الصافية سلبيّة بـ109.8 ملايين دينار، وارتفعت إلى -128.9 مليون دينارا في 2017، ثمّ -130.8 مليون دينارا في 2018؛ ولئن تراجعت إلى -63.1 مليون دينارا في 2019، فإنّها شهدت ارتفاعا ملحوظا إلى -293.2 مليون دينارا في 2020؛ وفي 2021 شهدت الشركة انفراجة ماليّة، حيثُ قُدّرت أرباحها الصافية بـ47 مليون دينارا، ثمّ ارتفعت إلى 445 مليون دينارا في 2022، ومنها إلى 78.7 مليون دينارا في 2023.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر النتائج المالية الصافية لشركة فسفاط قفصة مقارنة بمداخيلها بين 2004 و2024 استنادا إلى المصادر السابق ذكرها:
ويتّضح من البيانات في الرسم البياني السابق أنّه لا مداخيل شركة فسفاط قفصة ولا نتائجها الصافية النهائيّة كانت ارتفعت إلى مستوى 2000 مليون دينار، أو 2.2 مليارات قبل الثورة التونسيّة، وتحديدا خلال الفترة 2004 – 2010، حيثُ سجّلت الشركة أعلى مداخيلها في سنة 2008 بـ1406 ملايين دينار أي 1.4 مليارا فقط، فيما بلغت أرباحها الصافية 951 مليون دينارا فقط، أي 0.9 مليار، وهو ما يتعارضُ مع تصريح المدّعي بأنّ شركة فسفاط قفصة وقطاع الفوسفات كانا يُساهمان بـ2.2 مليار دينار في ميزانيّة تونس التّي كانت تتراوح بين 18 و19 مليار دينارا قبل الثورة التونسيّة.
ويستعرضُ “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر العائدات التصديريّة لقطاع الفوسفات فضلا عن مداخيل شركة فسفاط قفصة ونتائجها الصافية، مقارنة بميزانيّة تونس في السنوات الثلاثة الأخيرة قبل الثورة، والممتدّة بين 2008 و2010:
نخلصُ من كلّ ما سبق، إلى أنّه لئن بات واضحا أنّ قطاع الفوسفات شهد انتكاسة وتراجعا واضحا وملموسا على مستوى الإنتاج وعائدات التصدير، كان أثره جليّا على الوضعيّة الماليّة لشركة فسفاط قفصة، فإنّه لا بدّ أن نلفت الانتباه إلى غياب البيانات الرسميّة عن حجم المساهمة المباشرة الفعليّة للشركة والقطاع عموما في تمويل الميزانيّة العامّة للدولة.
التعليقات حول هذا المقال