البلد
: تونسالقصة
كتبت: نورهان كاهنة
أفاد الخبير المالي بسّام النيفر، خلال حضوره في برنامج “Midi Show”، على إذاعة “موزاييك أف أم”، يوم 1 فبراير 2024، بأنّ تونس تعاني عجزا ماليّا على مستوى ميزانيّتها العامّة فضلا على تراجع موارد تمويلها الخارجي بدرجة كبيرة.
وكانت سُنّت في تونس منذُ يوليو 2021 تدابير استثنائيّة لإنقاذها من عشريّة يقول الرئيس قيس سعيّد أنّها “سوداء” على جميع الأصعدة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، لكنّ بعد مرور سنتين لا تزال الدولة تعاني ركودا اقتصاديّا كبيرا قد يكون سببه إمّا شحّ في مواردها الماليّة أو عدم كفاءة في حوكمتها.
حاولنا التحقّق من دقّة ادّعاء بسّام النيفر، فاكتشفنا أنّه “صحيح نسبيّا”، حيثُ بالعودة إلى قانون الماليّة وتقرير مشروع ميزانيّة الدولة لسنة 2024، توصلنا إلى أنّ تونس تعاني عجزا في ميزانيّتها بقيمة 10 آلاف و645 مليون دينارا في سنة 2024، مقارنة بـ10 آلاف و711 مليون دينارا لسنة 2023، مقابل 7497 مليون دينارا متوقّعة أوليّا لذات السنة.
واستقرّ عجز الميزانيّة التونسيّة في حدود 9624 مليون دينارا في سنة 2022، مسجّلا بذلك انخفاضا طفيفا مقارنة بسنة 2021، حيثُ بلغ آنذاك 9894 مليون دينارا، وأيضا مقارنة بسنة 2020 حيثُ بلغ 10 آلاف و400 مليون دينارا محدثة في تقرير مشروع ميزانيّة الدولة لسنة 2023.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر قيمة العجز في ميزانيّة تونس بين 2020 و2024 استنادا إلى البيانات التّي تتيحها وزارة ماليّتها:
ارتفاع في موارد الاقتراض الخارجي:
عمّقنا بحثنا في ذات المصادر لمعرفة إن كانت تونس تعاني فعليّا من تراجع كبير على مستوى موارد تمويلها الخارجي، فتوصلنا إلى أنّ تونس رفعت موارد الاقتراض الخارجي المبرمجة لسنة 2024 لتبلغ 16 ألفا و445 مليون دينارا، مقارنة بـ10 آلاف و563 مليون دينارا محدثة لسنة 2023، مقابل 14 ألفا و859 مليون دينارا مبرمجة أوليّا في ذات السنة، وفقا لتقرير مشروع ميزانيّة الدولة لسنة 2024.
ووفق ذات المصدر، بلغت موارد الاقتراض الخارجي التّي تحصّلت عليها تونس في سنة 2022 ما قيمته 7777 مليون دينارا، مقارنة بـ7456 مليون دينارا في سنة 2021، و4771 مليون دينارا في سنة 2020، حسب ما يبيّنه تقرير مشروع ميزانيّة الدولة لسنة 2023.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر قيمة موارد الاقتراض الخارجي لتونس بين 2020 و2024 استنادا إلى البيانات التّي تتيحها تقارير وزارة ماليّتها حول ميزانيّات الدولة:
تغيير خارطة الاقتراض:
بمزيد البحث والتحري، اكتشفنا أنّ تونس مالت قليلا عن وجهتها في الاقتراض، حيثُ لم تُبرمج، في إطار دعمها لميزانيّتها، قروضا من صندوق النقد الدولي أو الاتّحاد الأوروبي أو فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا أو اليابان، وهي جهات مانحة اعتادت تونس أن تقترض منها في السنوات الأخيرة، حيثُ تُشير جدولة القروض المبرمجة التّي تضمّنها تقرير مشروع ميزانيّة الدولة لسنة 2023 إلى أنّ تونس برمجت لسنة 2023 قروضا بقيمة 1369 مليون دينارا من صندوق النقد الدولي؛ وبـ992 مليون دينارا من الاتّحاد الأوروبي؛ و698 مليون دينارا من الوكالة الفرنسيّة للتنمية؛ و695 مليون دينارا من ألمانيا؛ و313 مليون دينارا من اليابان.
وفي المقابل، تُحيلنا آخر تحديثات الجدولة التّي تضمّنها تقرير مشروع ميزانيّة الدولة لسنة 2024، إلى أنّ تونس لم تتمكّن من التحصّل على أيّة موارد مبرمجة من صندوق النقد الدولي في ظلّ توقّف سلسلة المحادثات بين الطرفين بالرغم من التوصّل إلى اتّفاق على مستوى الخبراء، كما أنّها لم تتحصّل على أيّة قروض من الاتحاد الأوروبي وألمانيا، فيما تحصّلت فعليّا إلى ذلك الحين على 33 مليون دينارا من الوكالة الفرنسيّة للتنمية من أصل 698 مليون دينارا مبرمجة، بالإضافة إلى 268 مليون دينارا من اليابان من أصل 313 مليون دينارا مبرمجة.
وتُشير ذات الجدولة في تقرير مشروع ميزانيّة الدولة لسنة 2024 إلى أنّ تونس تحصلت على قروض بقيمة 170 مليون دينارا من إيطاليا، وهي قروض ربّما قد تمّت برمجتها في إطار “القروض الأخرى” التّي تبلغ 4772 مليون دينارا، والتّي لم تفصح وزارة الماليّة عن مصادرها بالتحديد في تقرير مشروع ميزانيّة الدولة لسنة 2023.
وارتفعت قيمة “القروض الأخرى” المبرمجة غير معلومة المصدر، إلى 10 آلاف و307 ملايين دينار في سنة 2024 وفق تقرير مشروع ميزانيّة الدولة، وهو ما يُحيلنا إلى أنّ تونس لم تجد فعليّا الجهات المانحة لتلك القروض ولم تتوصّل بعد إلى اتفاقات بشأنها، وبالتّالي يُمكن القول إنّها قروض غير مضمونة.
وفي هذا الصدد، اقترحت الحكومة التونسيّة مشروع قانون يتعلّق بالترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات ماليّة بقيمة 7000 مليون دينارا لفائدة الدولة، كخطوة استثنائيّة، في ظلّ صعوبة تعبئة موارد ماليّة خارجيّة لا سيما وأنّ هناك محادثات مع مموّلين قد لا تفضي إلى نتيجة، وفق ما أكدّته وزيرة الماليّة التونسيّة في جلسة استماع نظّمتها لجنة الماليّة والميزانيّة في مجلس نوّاب الشعب يوم 31 يناير 2024.
ويُشار إلى أنّه بالإضافة إلى موارد الاقتراض الخارجي، برمجت تونس موارد اقتراض داخليّ بقيمة 11 ألفا و743 مليون دينارا لسنة 2024، مقارنة بـ11 ألفا و368 مليون دينارا لسنة 2023.
التعليقات حول هذا المقال