البلد
: العراقالقصة
كتب: علي الأعرجي
أصدر مجلس القضاء الأعلى العراقي، إيضاحًا، نفى فيه بيانات وأرقام تتحدث عن حالات الانتحار في العراق وتزايدها، وذكر المجلس في بيان على موقعه الرسمي، أن هذه الأرقام تداولتها إحدى القنوات الفضائية، مبينا أنها أرقام غير دقيقة وغير صحيحة ومنافية للحقيقة.
ما مصدر الأرقام؟
المجلس أشار إلى أن هذه الأرقام وردت على لسان أحد الضيوف، بالقول إن حالات الانتحار تزايدت من عام 2015 إلى 2022، فيما بيّن المجلس أنه لا توجد أية إحصائية رسمية لعام 2015 صادرة من قبل مجلس القضاء الأعلى بعدما تمت الإشارة في البرنامج التلفزيوني إلى أن الإحصائية في السنة المشار إليها سجلت 376 حالة انتحار، كما ذكر في هذا البرنامج أن إحصائية عام 2022 سجلت 1073 حالة، في حين أن الرقم في الإحصائية الرسمية الصادرة بلغ 476 حالة فقط.
خلال البحث، لم يتوصل فريق “تفنيد” للقناة التلفزيونية التي أشار إليها مجلس القضاء الأعلى، لكننا وجدنا تقريرًا صادرًا قبل أيام في 22 يناير 2024 في موقع “هيئة العلماء المسلمين في العراق”، يشير إلى أن التقرير من إعداد قسم حقوق الإنسان في الهيئة.
ونشر الحساب الرسمي لهيئة العلماء المسلمين على فيسبوك في 27 يناير 2024، رسمًا بيانيًا عن حالات الانتحار منذ 2003 إلى 2023، ووجد فريق “تفنيد” أن الأرقام المذكورة في الرسم البياني متطابقة مع الأرقام التي ذكرها مجلس القضاء الأعلى ووصفها بأنها “غير دقيقة”، وعلى ما يبدو أن هذا التقرير لهيئة العلماء المسلمين كان المصدر الأول لظهور هذه الأرقام في القناة التلفزيونية التي ذكرها مجلس القضاء الأعلى ووصفها بـ”غير الدقيقة”.
من أين جاءت هيئة العلماء المسلمين بأرقامها؟
في فبراير 2023، صرح اللواء خالد المحنا، الناطق باسم وزارة الداخلية، بأرقام عن حالات الانتحار في العراق وقال إنها “تُعلن لأول مرة”، وجاءت أرقامه كالآتي:
2015 بلغت 376 حالة انتحار
2016 بلغت 343 حالة انتحار
2017 بلغت 449 حالة انتحار
2018 بلغت 519 حالة انتحار
2019 بلغت 588 حالة انتحار
2020 بلغت 644 حالة انتحار
2021 بلغت 863 حالة انتحار
2022 بلغت 1073 حالة انتحار
ويظهر أن الأرقام وتحديدا لعامي 2015 و2022، مطابقة للأرقام الواردة في إحصائية هيئة العلماء المسلمين، وهي ذات الأرقام التي ذُكرت على لسان ضيف في إحدى القنوات التلفزيونية والتي وصفها مجلس القضاء الأعلى بأنها “غير دقيقة”، ومع وجود بعض الاختلافات لبعض السنوات ولاسيما 2020 بين أرقام وزارة الداخلية وهيئة العلماء المسلمين، وتطابق الأرقام الأخرى لبعض السنوات تمامًا، يصبح من غير المعروف ما هو مصدر أرقام هيئة العلماء المسلمين، وما إذا كانت اعتمدت أكثر من مصدر من بينها أرقام وزارة الداخلية، للخروج بهذا الرسم البياني، لكن المحصلة، إن أرقام وزارة الداخلية “غير دقيقة” بالنسبة لمجلس القضاء الأعلى.
أرقام قريبة لإحصائية الداخلية:
في 10 نوفمبر 2022، قال حازم الرديني، نائب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، إن العراق خلال عام 2021 سجل 772 حالة انتحار، بمعدل حالتي انتحار يوميًا، مؤكدًا تسجيل 700 محاولة خلال 2022 حتى 10 نوفمبر منه.
ويظهر أن إحصائية الانتحار لعام 2021 على لسان الرديني، قريبة من إحصائية وزارة الداخلية التي ذكرت أن حالات الانتحار في 2021 بلغت 863 حالة، كما أن 2022 أيضا بلغ رقمًا أقرب إلى رقم وزارة الداخلية من الرقم الوارد على لسان مجلس القضاء الأعلى الذي قال إنها بلغت 476 حالة فقط.
كما أن أرقام الأعوام الأخرى التي أوردها الرديني، قريبة أيضًا من أرقام هيئة العلماء المسلمين بفارق بسيط.
احتمالان وراء التضارب.. ما تعريف “حالة الانتحار”؟
بينما لم يذكر مجلس القضاء الأعلى معاييره أو الحالات التي يتعامل معها كانتحار، ولكن يبدو أن إحصائية القضاء ولاسيما لعام 2022 – التي أشار إلى أنها بلغت 476 حالة فقط وليس 1073 حالة كما ورد على لسان الضيف في القناة التلفزيونية وأيضا في إحصائية هيئة العلماء المسلمين، وعلى لسان وزارة الداخلية أيضًا – تتعامل مع حالات الانتحار التي تستدعي التحقيقات وليست حالات انتحار واضحة، لتتوصل التحقيقات في النهاية إلى أنها حالات انتحار.
أو أن الاحتمال الآخر، هو أن إحصاءات وزارة الداخلية تشمل عمليات الانتحار ومحاولات الانتحار معا، فلم تفصل الداخلية معاييرها أو تعريفها “لحالات الانتحار”، بينما يتعامل القضاء مع التحقيق في حالات الوفاة والقتل.
ماذا تقول الأرقام العالمية؟
توجه فريق “تفنيد” لتعميق البحث في المصادر المفتوحة وكذلك المصادر الدولية والعالمية المختصة، واكتشفنا أن منظمة الصحة العالمية في عام 2020، قد أوردت أرقامًا عن حالات الانتحار “التي انتهت بالوفاة بالفعل” في العراق للأعوام 2019 و2018 و2017.
وذكرت المنظمة أنه في عام 2019 توفي أكثر من 590 شخصًا في العراق بسبب الانتحار، وحاول 1112 شخصًا آخر الانتحار، 80% منهم من النساء، وكان عدد حالات الانتحار المبلغ عنها في 2019 أعلى من تلك المسجلة في 2018 والتي بلغت 519 حالة، وعام 2017 بلغت 422 حالة.
وبمقارنة الأرقام المذكورة، مع أرقام وزارة الداخلية وهيئة العلماء المسلمين، نجد أنها قريبة جدًا، ما ينسف احتمالية أن تكون أرقام وزارة الداخلية تتحدث عن “محاولات الانتحار” بل حالات الانتحار والوفاة الفعلية، حيث جاءت أرقام الانتحار بين المصادر الثلاثة كالآتي:
العام | منظمة الصحة العالمية | وزارة الداخلية | هيئة العلماء المسلمين |
2019 | أكثر من 590 انتحارًا | 588 حالة انتحارًا | 590 حالة انتحارًا |
2018 | 519 حالة انتحارًا | 519 حالة انتحارًا | 519 حالة انتحارًا |
2017 | 422 حالة انتحارًا | 449 حالة انتحارًا | 497 حالة انتحارًا |
معدلات الانتحار في العراق والمرتبة العالمية:
وتظهر إحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام 2019، أن معدل الانتحـار في العراق حسب الفئات العمرية يبلغ 3.6 حالات لكل 100 ألف نسمة، أما معدل الانتحـار الخام يبلغ 4.7 لكل 100 ألف نسمة.
وتبلغ معدلات الانتحار بين المراهقين في العراق من 15 إلى 19 سنة، 2.8 لكل 100 ألف نسمة، فيما ترتفع للفئة العمرية بين 15 و29 سنة إلى 4.5 لكل 100 ألف نسمة، وترتفع في الفئة العمرية بين 30 و49 سنة إلى 6.7 لكل 100 ألف نسمة، بحسب منظمة الصحة العالمية.
ترتيب العراق عالميًا في معدل الانتحار:
هذا المعدل، وضع العراق في المرتبة 155 من أصل نحو 200 دولة، بحسب تصنيف البنك الدولي، ما يعني أن العراق ضمن البلدان الأقل بعدد حالات ووفيات الانتحـار.
وبالرغم من أن التأثير الديني الذي يحرّم الانتحـار له أثره الواضح على تدني نسب الانتحار في البلدان العربية والإسلامية كما تظهر خريطة منظمة الصحة العالمية، لكن على الصعيد العربي، كانت 7 بلدان عربية أقل في معدلات الانتحار من العراق، وهي تونس ومصر والكويت ولبنان والجزائر وسوريا والأردن، أما باقي الدول العربية كانت معدلات انتحارها أعلى من العراق.
التعليقات حول هذا المقال