وفقاً للبيانات التي حصلنا عليها، فإن غالبية الموقوفات في فرع المخابرات الجوية بين عامي 2011 و2017 كنّ من محافظة دمشق وريفها، حيث سُجّلت 615 حالة اعتقال لنساء، تلتها محافظة حمص بثلاث حالات، ثم درعا، وحماة، وحلب بأعداد أقل.
وثّقنا من خلال الضحايا الذين تواصلنا معهم في دمشق، وحمص، وحماة، وإدلب، إلى جانب البيانات التي حصلنا عليها وشهادات سلمى سيف وأحمد الحمادي، أن الاعتقالات استهدفت بشكل أساسي المناطق التي اعتُبرت حاضنة للثورة.
في دمشق وريفها، كانت الغوطة (محل إقامة أمينة) من أكثر المناطق تعرضاً للاعتقال، حيث شكلت أحد أبرز مراكز الحراك الثوري. أما في حمص، فقد شهدت مناطق مثل "بابا عمرو" حملات اعتقال واسعة بسبب دعم سكانها للثورة. وفي إدلب، تصاعدت وتيرة الاعتقالات لتشمل حتى زوار المدينة وليس سكانها فقط.
إلى جانب ذلك، شملت الاعتقالات مناطق مثل حماة، وجسر الشغور، والباب، حيث كان مجرد الانتماء إليها سبباً كافياً للاعتقال. وكان المحتجزون من هذه المناطق يتعرضون للإهانة أثناء الاعتقال؛ سواء بسبب أسمائهم أو مناطقهم. كما واجهوا تهديدات وتعاملاً مهيناً على الحواجز، وكأن الانتماء إلى تلك المناطق بات تهمة بحد ذاته.
أبرز المناطق السورية التي تزايدت فيها حالات الاعتقال
لم يفرق النظام في اعتقالاته بين امرأة مسنة وفتاة شابة؛ فقد اعتُقلت أمينة وهي في الستين من عمرها، في حين اعتُقلت زوجة ابنها "منال" وهي في العشرينيات، واعتُقلت زوجة الابن الآخر "مرام" وهي لم تتجاوز السادسة عشرة.
ووفقاً للبيانات التي حصلنا عليها، فإن نحو نصف الحالات التي رُصدت كانت أعمارها غير معروفة، فيما تنوعت أعمار البقية. ومن بين الحالات التي تم تحديد أعمارها، شكّلت الفئة العمرية من 26 إلى 40 عاماً النسبة الأكبر، أما الأطفال دون سن 18 عاماً، بما في ذلك الرُضّع، فقد شكلوا نحو خمسة في المئة من إجمالي الموقوفات.
ويصف فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عمليات الاعتقال بـ"الخطف"، قائلا: "بالنسبة لاعتقال النساء، لا يوجد فرق بينه وبين اعتقال الرجال، الاعتقالات كلها تعسفية، لا توجد مذكرة صادرة من المدعي العام، ولا توجد مذكرة قانونية ولا قضائية، هي أقرب للخطف، نحن نقول تجاوزاً اعتقالاً".
وتقول الشبكة في تقريرها السنوي الثالث عشر عن الانتهاكات بحق الإناث في سوريا، إن قوات النظام السوري اتبعت منهجية متعمدة لاستهداف النساء في عمليات الاعتقال والاختفاء القسري منذ بداية النزاع عام 2011. استُخدمت هذه الاستراتيجية كأداة للسيطرة والترهيب، وغالباً ما كانت الاعتقالات تتحول إلى اختفاء قسري.
أُفرج عن منال بعد ستة أيام، فيما ظلت أمينة ومرام نحو 12 يوماً بالاعتقال قبل الإفراج عنهما. خلال تلك الفترة، تم احتجازهن بين مقر الفرقة الرابعة ومطار المزة، ولم يتم توجيه أي اتهام لهن، كنَّ مجرد رهائن فقط.
ورغم الإفراج عن أمينة، إلا أن نجلها حاتم لم ينسَ هذه التجربة. كان يُمني نفسه بالثأر من "أبو الموت" ليل نهار، خاصة بعدما سمع من والدته عن التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرضت له خلال أيام اعتقالها. ورغم مرور سنوات على الاعتقال، لم يفكر حاتم سوى في الوصول إلى "أبو الموت" والانتقام منه.
ووفقاً للمحامي عبد الناصر حوشان، يمكن لعائلات الضحايا اليوم رفع دعاوى ضد عناصر من النظام السابق سواء في المحاكم المحلية أو حتى الدولية. وهناك ثلاثة مسارات للعدالة؛ القضاء الوطني، وهو صاحب الاختصاص الأصلي، والمحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الأجنبية التي تأخذ بالولاية الشاملة.
وأظهر تحليل البيانات التي حصلنا عليها، أنه من بين ألف و530 امرأة تم توقيفها خلال الفترة المذكورة، أُخلي سبيل 980 منهن؛ ما يمثل نسبة 64 في المئة، مقابل 536 امرأة، أي 35 في المئة من الحالات ظلت مجهولة المصير.
كما أوضحت البيانات أن عام 2013 شهد أعلى عدد من حالات الإخلاء المسجلة، فبلغت 303 حالات، يليه عام 2015 بعدد 192 حالة، في حين كان عام 2017 الأقل في عدد من تم إخلاء سبيلهن، فلم يتجاوز نحو خمس حالات فقط.
بعد 12 عاماً من الانتظار، شهدت "أمينة" التي بلغت الثمانين من عمرها سقوط النظام أخيراً في كانون الأول/ ديسمبر 2024. ورغم حالتها الصحية المتدهورة، أصرت على العودة لمنزلها. في طريقها، طلبت التوقف عند ساحة الأمويين، حيث نزلت متكئة على عكازها للاحتفال بلحظة لطالما حلمت بها. لكن فرحتها لم تدم طويلاً، فقد فارقت الحياة في اليوم التالي؛ وكأن جسدها لم يحتمل تحقيق "المستحيل".
أما نجلها حاتم، فيعيش اليوم على أمل العثور على "أبو الموت"؛ الرجل الذي أهان والدته في المعتقل وهدّده بها قبل سنوات، ساعياً للثأر منه.
أمينة كانت من المحظوظات اللاتي شهدن سقوط النظام قبل رحيلهن. لكن ماذا عن الأخريات؟ مئات النساء ما زلن في عداد المفقودين؛ بعضهن تأكدت وفاتهن، والبقية مجهولة المصير حتى الآن. خلف الجدران، أو في مقابر مجهولة، لا تزال أرواحهن تنتظر تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين.
*نظراً للوضع الأمني السائد في سوريا خلال العمل على التحقيق، لم تتمكن "أريج" عبر الوسائل الرسمية من التواصل مع أي من مسؤولي الأجهزة الأمنية السابقين في سوريا؛ وستتابع "أريج" القضايا الجنائية المرفوعة ضدهم في المحاكم المختصة.