هل حقّا تتّبع كلّ الدّول نظام الحصص الانتخابيّة لضمان مشاركة المرأة بالبرلمان؟

الادعاء

لا يوجد دولة في العالم ضمنت مشاركة المرأة في المجالس البرلمانيّة إلّا عبر المناصفة أو الحصة.

السياق

خلال حوار تلفزيّوني في برنامج «Rendez-vous 9» على القناة التّاسعة التونسية.

أبرز المعلومات

• هيئة الأمم المتّحدة للمرأة: لن يتحقق التكافؤ بين الجنسين في الهيئات التشريعيّة في العالم قبل 2063.
• المعهد الدولي للديمقراطية: 137 دّولةً تتّبعُ نظام الحصص الجندريّة في الهيئات التشريعيّة.
• المعهد الدولي للديمقراطية: 69 دولةً تتّبع نظام الحصص المفروضة بالقانون في الهيئات التشريعيّة.
• المعهد الدولي للديمقراطية: أمريكا وروسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وفنلندا وإيران وسوريا ولبنان و11 دولةً إفريقية لا تتّبع نظام الحصص الانتخابيّة.
• دستور تونس 2014: الدّولة تسعى لتحقيق التّناصف بين المرأة والرّجل في المجالس المنتخبة.
• مرصد مجلس: مشاركة المرأة بالبرلمان بلغت 36.57% ثمّ 26.85% بين 2014 و2019.
• المرسوم 55: على المترشّح تقديم 400 تزكية نصفهم من الإناث.

القصة

مؤسّسات دوليّة: 137 دولةً تتّبع نظام الحصص الجندريّة.. والأمم المتّحدة: لن يتحقّق التكافؤ بين الجنسين قبل 2063

الرئيسة السابقة للجنة الحريّات والمساواة بتونس تدّعي أنّ كلّ الدّول تضمنُ مشاركة المرأة في هيئاتها التشريعيّة عبر نظام الحصص الجندريّة.. قرّرنا التحرّي

قالت بشرى بالحاج حميدة، الرئيسة السّابقة للجنة الحريّات الفرديّة والمساواة بتونس، إنّه لا يوجد أيّ دولة في العالم تضمنُ مشاركة المرأة في مجالسها البرلمانيّة إلّا عبر اتّباع نظام المناصفة أو على الأقّل الحصص الجندريّة “التقسيم عبر النوع الاجتماعي”، وذلك خلال استضافتها في البرنامج الحواريّ «Rendez-vous 9» على قناة التّاسعة، يوم 13 أكتوبر 2022.

وظهرت أهميّة التحقّق من التصريح في ظلّ سلسلة تحرّكات احتجاجيّة تقودها جمعيّات نسويّة وأيضًا شخصيّات سياسية بارزة للمطالبة بسحب المرسوم 55 الخاص بالانتخابات، ضمن سلسلة من الاحتجاجات التي شنتها المرأة التونسية احتجاجًا على تدهور الحقوق الاجتماعيّة وللمطالبة بالتمكين الاقتصادي، حيثُ لا يتعدّى امتلاك المرأة للأراضي 5%، بالإضافة إلى الفارق في الأجور بين الجنسين والذي يُقدّر بـ17%.

تتبّع فريق عمل “تفنيد” تصريح بشرى بالحاج حميدة، وتوصّل إلى أنّه “مُضلّل”، حيثُ تتّبع 137 دولةً فقط نظام الحصص الجندريّة في تشكيل القوائم المترشّحة للانتخابات البرلمانيّة، وذلك وفق بيان رسميّ للمعهد الدّولي للديمقراطيّة والمساعدة الانتخابيّة ((International Institute for Democracy and Electoral Assistance. 

وتختلفُ أنظمة الحصص الانتخابيّة الجندريّة التّي تتّبعها تلك الدّول بين المفروضة دستوريّا أو بموجب القوانين الانتخابيّة، والمتّبعة طوعيّا من قبل الأحزاب السياسيّة.. فما القصّة؟ 

نظام الحصص الانتخابية الجندريّة: 

 تُعرّف الحصص الانتخابيّة الجندريّة أو ما يُعرف ب “الحصص الانتخابيّة القائمة على أساس النّوع الاجتماعي” على أنّها “مستهدفات عدديّة تشترطُ إدراج عدد من النّساء أو نسبة من النّساء في قوائم المرشّحين أو تخصيص عدد من مقاعد الهيئات التشريعيّة لهنّ، وذلك إمّا عبر نظام الحصص المفروضة بالقانون (Legislated Quotas) أو المقاعد المحجوزة (Reserved Seats) أو الحصص الحزبيّة الطوعيّة (Voluntary Political Parties Quotas)، بهدف “تحقيق تكافؤ الفرص بين النّساء والرّجال في الحياة السياسيّة” وفق ما أورده أطلس أنظمة الحصص الانتخابيّة على أساس النّوع الاجتماعي الصّادر عن المعهد الدّولي للديمقراطيّة والمساعدة الانتخابيّة في 2014. 

ومن إجماليّ 137 دولةً تعتمدُ على نظام الحصص الانتخابيّة، تشترطُ 69 دولةً فقط نظام “الحصص المفروضة بالقانون”، والذّي يُلزم الأحزاب السياسيّة إمّا بموجب الدستور أو التشريعات الانتخابيّة، بإدراج حدًا أدنى من النّساء في قوائمها الانتخابيّة، وذلك وفق ما جاء في قائمة تفصيليّة نُشرت على قاعدة بيانات الحصص الجندريّة «Gender Quotas Database» التّابع لذات المصدر السّابق. 

ومن بين تلك الدّول، الجزائر وليبيا وموريتانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكيا وكرواتيا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك وغيرها، وتتراوحُ فيها نسب المشاركة التمثيلية للمرأة في البرلمانات الوطنيّة بين 8% في جزر السلمون و%51.6 في نيكاراغوا، فيما يُقدّر المعدّل العامّ بـ28.7%، وهو ما يُظهر أنّ نظام الحصص المفروضة بالقانون لا يضمن بالضرورة مشاركةً مرتفعة للمرأة في البرلمانات.

 وتجدرُ الإشارة إلى أنّهُ، في إطار الحصص المفروضة بالقانون، يتعرّضُ كل حزب سياسيّ مُخالف إلى عقوبات تتمثّلُ في شطب قائمته أو دفع غرامات ماليّة.

بينما تتبّعُ 27 دولةً من إجماليّ 137 دولةً، نظام “المقاعد المحجوزة”، الذّي يشترطُ، إمّا بموجب الدستور أو التشريعات الانتخابيّة، تخصيص عدد أو نسبة معيّنة من المقاعد البرلمانيّة للنّساء، وذلك عبر تطبيق إجراءات انتخابيّة خاصّة على غرار تخصيص مرحلة لانتخاب النّساء فقط على الصّعيد الوطني أو تخصيص دوائر بعينها إلى النّساء إلى غير ذلك، وفق ما أوردهُ أطلس 2014. 

 وتشملُ تلك الدّول كلّ من المغرب ومصر ورواندا والمملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة، وتتراوح نسبة الحضور التمثيلي للمرأة في برلماناتها بين 0% في هايتي و61.3% في رواندا التّي تستأثرُ بأعلى نسبة في الترتيب الشهري العالميّ لحضور النّساء في البرلمانات الوطنيّة في شهر سبتمبر 2022، فيما ينخفضُ المعدّل العامّ إلى 25.9%، وفق ما نقلتهُ قائمة نُشرت على قاعدة بيانات الحصص الجندريّة. 

وفي المقابل، تُتيح 41 دولةً نظام “الحصص الحزبيّة الطوعيّة”، والتّي تعتمدُها الأحزاب فُرادى ومن تلقاء نفسها في تشكيل قوائم مُرشّحيها ويكون منصوصًا عليها في نظام الحزب ولوائحه الأساسيّة، وفق ما أورده أطلس 2014، وتشملُ الدّول التّي ينتشرُ فيها هذا النّظام كلّ من بريطانيا وكندا وكرواتيا وأستراليا وتركيا وغيرها.

وعلى سبيل المثال، لا تشترطُ كندا أيّ نوع من أنظمة الحصص، مع ذلك يتبنّى الحزب الديمقراطي الجديد (New Democratic Party)، منذ عام 1985، مبدأ المناصفة (50/50) بين الجنسين في تشكيل قوائمه الانتخابيّة في الانتخابات الفيدراليّة، وفق معطيات رسميّة خاصّة بالدّولة أوردها الموقع الرّسمي للمعهد الدّولي للديمقراطيّة والمساعدة الانتخابيّة يوم 28 يوليو 2022.

دول ليس فيها حصص انتخابيّة جندريّة:

وبمواصلة البحث والتحرّي، توصّل فريق عمل “تفنيد” إلى أنّ نظام الحصص الانتخابيّة يغيبُ عن المشهد الانتخابي في عدد غير قليل من الدّول، بينهم 11 دولةً إفريقيّة هي مدغشقر والتّشاد وغانا والسّيراليون وزامبيا وليسوتو ونيجيريا وجمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة وزامبيا وغامبيا وجزر الكوموروس، والتّي يتراوحُ مشاركة المرأة في برلماناتها الوطنيّة بين 3.6% في نيجيريا و32.3% في التّشاد، وفق ما أوردتهُ خريطة توضيحيّة شاملة نشرها ذات المصدر السّابق.

ويغيبُ نظام الحصص الانتخابيّة بدوره عن المشهد الانتخابي في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، حيث تُقدّر النسبة التمثيليّة النّسائيّة في البرلمان بـ27.3%، وأيضًا في أوكرانيا ذات الـ20.3% تمثيلًا نسائيًا وروسيا التّي تنخفضُ فيها النّسبة إلى 16.2%، بالإضافة إلى سوريا بتمثيليّة نسائيّة تُقدّر بـ11.2% واليابان بـ9.9% ولبنان بـ6.3% وإيران بـ5.6%، فيما ترتفع بالرّغم من ذلك إلى 40% في بيلاروسيا و46% في فنلندا وغيرها، وفق ذات الخريطة.

والتحقت تونس مؤخّرًا بقائمة الدّول التّي ليس فيها حصص انتخابيّة جندريّة أو “نوعيّة” بإلغائها نظام الحصص القائم على التناصف (50/50) بين الجنسين في القوائم الانتخابيّة الذّي نصّ عليه الفصل 46 من دستور الجمهوريّة لعام 2014. 

وخاضت تونس استحقاقين انتخابيّين تشريعيّين بالاعتماد على نظام الحصص الجندريّة المفروضة بالقانون، وذلك في 2014 ثمّ في 2019، وقُدّرت التمثيليّة النّسائيّة في البرلمان التونسي في 2014 بـ36.57%، فيما انخفضت إلى 85%26. في انتخابات 2019، وذلك وفق ما نُشر على البّوابة الإلكترونيّة لـ”مرصد مجلس” التّابع لمنظّمة البوصلة.  

وينصّ الفصل 21 من المرسوم رقم 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022، الخاصّ بتنقيح القانون الأساسي رقم 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 مايو 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه على أن يكون مطلب الترشّح للانتخابات التشريعيّة مرفقًا به قائمة تضمّ 400 تزكية من مواطنين، على أن يكون نصف المزكّين من الإناث والنّصف الثّاني من الذكور.

وتخوض تونس استحقاقًا انتخابيًا تشريعيًا يوم 17 ديسمبر 2022 لإعادة النّشاط إلى البرلمان التّونسي بعد مرور أكثر من سنة على إعلان تجميده ثمّ حلّه في سياق جملة “الإجراءات الاستثنائيّة” التّي أقرّها الرئيس قيس سعيّد بتاريخ 25 يوليو 2021.

بالعودة للبيانات الدولية اكتشفنا أنّ تصريح “حميدة” مُضللًا إذ لا تتبع جميع الدول مبدأ الحصص الانتخابية.. كما أن نسب تمثيل المرأة في البرلمانات ترتفع لـ46% في دول لا تتبع أيّ حصص انتخابيّة جندريّة

المصادر