المنشآت الاقتصادية الرسمية بلغت مليون و 757 ألف منشأة

"ضم الاقتصاد غير الرسمي".. لعبة جديدة لسد عجز الموازنة

رغم ادعاء تسهيل الإجراءات.. الحكومة فرضت رسومًا لترخيص المنشآت تصل إلى 100 ألف جنيه

انا انهرده لما بقول للي حجم اعماله تحت ربع مليون ادفع 1000 جنيه فقط في السنة، مش القضية الألف جنيه، انما القضية ان هو عنده انتاج سواء سلع او خدمات، وانا بستفيد ان ده بيدخل في الناتج المحلي الاجمالي، فتظهر مصر ان اقتصادها أقوى وأكبر ومؤشراتها بتتحسن

وزير المالية - مداخلة هاتفية ببرامج آخر النهار يوم الأحد 26 سبتمبر 21

تصريحات متتالية لمسؤولي الحكومة المصرية بدأها الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2018، حول رغبة الحكومة في ضم الاقتصاد الموازي – غير الرسمي – إلى السجلات الرسمية.
موضحين أن هدفهم الحقيقي هو الارتقاء بالسلع والصناعات الغير مسجلة، وتحسين مؤشرات الاقتصاد الرسمي.
وليس السعي لتحصيل الضرائب.

إلا أن الاستجابة لتلك الدعوات لم تكن كبيرة، وهو ما دفع فريق عملنا في تفنيد للبحث حول آليات الحكومة لدمج الاقتصاد غير الرسمي.
وهو ما كشف لنا تناقضات كبيرة بين تصريحات الحكومة وقراراتها منذ عام 2018 بشأن الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة لدى الحكومة.

القصة من البداية

ما هو الاقتصاد الموازي؟

الاقتصاد الموازى أو غير الرسمي هو الاقتصاد الغير مُسجل بالسجلات الحكومية، كالقيد بالسجل التجارى للأنشطة التجارية ، والقيد بالسجل الصناعى للأنشطة الصناعية.

كم يبلغ حجم الاقتصاد الموازي في مصر؟

تضاربت التقديرات الحكومية في تحديد دقة حجم الاقتصاد الموازي في مصر إلا أن جميعها تشير إلى أن نحو نصف الانشطة الاقتصادية في مصر غير رسمية، فوفقًا لدراسة أعدتها لجنة الضرائب والجمارك باتحاد الصناعات فإن الاقتصاد غير الرسمي في مصر يُشكل نحو 53% من حجم الاقتصاد الكلي، ويصل حجمه إلى نحو 3 تريليون جنيه (192 مليار دولار)، ويضم حوالى 4 ملايين عامل.

وهو الرقم الذي توافق مع ما أعلنه رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري اللواء خيري بركات بأن المنشآت الاقتصادية غير الرسمية تبلغ نحو 53% من إجمالي المنشآت الاقتصادية في مصر.

إلا أن وزير المالية محمد معيط، قال أن حجم الاقتصاد غير الرسمي في المتوسط 55% من إجمالي الاقتصاد المصري، وقد يرتفع إلى 60% أو ينخفض إلى 50%.

بينما اتفق الجميع على أن أنشطة الاقتصاد الموازى تستوعب عددًا من العمالة ، يفوق كلا من العمالة بالقطاع الحكومى والقطاع الخاص الرسمى معا، وهو ما يظهر فى أوقات الأزمات والركود بالأسواق ، حيث تستوعب أنشطة الاقتصاد الموازى العاملين الذين يتم الاستغناء عنهم بالشركات الحكومية التى تم خصخصتها ، أو من الشركات الخاصة المتعثرة. 

كيف حصرت الحكومة الاقتصاد غير الرسمي؟

حاولت الحكومة حصر نشاط الاقتصاد الموازي – غير الرسمي – والعاملين فيه، فقامت بإجراء تعداد اقتصادي للمنشآت على الطبيعة أشبه بتعداد السكان.
كشف التعداد الاقتصادي لعام 2017/2018 عن بلوغ عدد منشآت القطاع الخاص 3 مليون و741 ألف منشأة، يعمل بها 12 مليون و583 ألف شخص تصل قيمة أجورهم السنوية 266 مليار جنيه.
وانقسمت منشآت القطاع الخاص إلى منشآت مسجلة رسميًا بلغ عددها 1.757 مليون منشأة، يعمل بها 8.6 مليون شخص تبلغ أجورهم 237 مليار جنيه.

بينما بلغت المنشآت الغير مقيدة بسجلات الاقتصاد الرسمي نحو 1.983 مليون منشأة، يعمل بها 3.9 مليون مشتغل تبلغ قيمة أجورهم 29 مليار جنيه. 
ولأن التعداد الاقتصادى شمل فقط النشاط الاقتصادي داخل المنشآت، فقد أشارت بيانات جهاز الإحصاء لعام 2020  لوجود 11.5 مليون شخص يعملون  بالقطاع غير الرسمى يعملون خارج المنشآت كالمزارع والشوارع وغيرها.
وهو ما يكشف أن القطاع غير الرسمى يستوعب داخل وخارج المنشآت لأكثر من 15 مليون مشتغل. 

الدولة تستخدم العصا دون الجزرة

يقول ( أ . ع هــ )، صاحب وكالة لتوزيع المواد الغذائية بالجملة بالإسكندرية:
 ”انا وارث المخزن ده عن أبويا الله يرحمه، لكن مش مسجل رسمي، طبيعة الشغل بتمشي اني بستلم من متدوبين الشركات بدون ورق وبوزع على التجار بدون ورق، فالمنظومة كلها بره دايرة الأوراق يعني علشان كده بنعرف نطلع لقمة عيش كويسة والوكالة دي حتى الان فاتحة 9 بيوت تقريبا.
المشكلة اللي بتقابلني، اني لو فكرت اروح اسجل شغلي بشكل رسمي، فالاجراءات بتاخد مننا مبالغ كبيرة جدا بين مصاريف تراخيص، ومرافق بالسعر التجاري وخلافه
غير انهم بيجبروني علشان اسجل نفسي، لازم اسجل نفسي والعمال في التأمينات، يعني مصاريف شهرية وضرايب كل سنة، وكل ده بدون اي استفادة حقيقية بترجع علينا.
دلوقتي مهدد اني اقفل لأن لو الضرايب عرفت توصلي هاخد غرامة ممكن توصل ل20 الف جنيه، ده غير التراخيص اللي غرامتها بتوصل دلوقتي بتوصل ل50 ألف جنيه تقريبا“.

الدولة تحاصر الاقتصاد الموازي

على الرغم من تصريحات المسؤولين التي تبدو مشجعة لأصحاب الأنشطة الاقتصادية للانضمام للاقتصاد الرسمي، إلا أن التطبيق العملي لتلك التصريحات كان مختلفًا، وكان أشبه بالحصار الاقتصادي والقانوني عليها.

غرامات تصل إلى 50 ألف جنيه

إذ فعلت الحكومة المادة رقم 74 لقانون الضرائب على الدخل والتى تنص على التزام كل من يزاول نشاطا تجاريًا أو صناعيًا أو حرفيًا أو مهنيًا أو نشاطاً غير تجارى، أن يقدم إخطارًا لمصلحة الضرائب بتلك المزاولة خلال ثلاثين يوما من تاريخ بدء مزاولة هذا النشاط ، ونص القانون على غرامة مالية تتراوح ما بين 5000 جنيه الى 20.000 جنيه لمن لا يلتزم بذلك. وهو ما بدأت مصلحة الضرائب في تنفيذه بتكثيف المداهمات للمنشئات الاقتصادية الغير مسجلة. كما أصدرت الحكومة القانون رقم 154 لسنة 2019 الخاص بالمحال العامة ، والذى أوجب على المحلات إستصدار تراخيص لممارسة النشاط، ونص على غرامة تتراوح ما بين 20.000 الى 50.000 جنيه للعمل بدون ترخيص وتصل العقوبة الى الحبس.

التسجيل شرط لإدخال المرافق

فيما أصدرت الحكومة تعليمات باشتراط القيد بالسجل التجارى أو الصناعى حسب طبيعة النشاط للتعاقد على إدخال الكهرباء أو مياه الشرب أو الصرف الصحي أو الغاز الطبيعي للمنشأة .

حصار بالنقابات وجهات الترخيص

كما فعلت الحكومة المادة 77 من قانون الضرائب عل الدخل، وأخطرت المختصين فى الوزارات والمصالح الحكومية والنقابات وجهات منح تراخيص البناء ومزاولة المهن، بإخطار مصحلة الضرائب عند منح ترخيص مزاولة المهنة أو البناء، ليسهل تعقبه ضريبيًا.

إطلاق يد الضرائب لتعقب المواطنين

كما أعطت الحكومة الضوء الأخضر لمصلحة الضرائب لتتبع النشاط الاقتصادي للمواطنين من خلال حسابات المواطنين وودائعهم وخزائنهم بالبنوك، والنيابات العامة، ووثائق جهاز الكسب غير المشروع ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة، وشركات القطاع العام، والنقابات، وفقًا للمواد أرقام 97 و98 و99 من قانون الضرائب على الدخل.

لماذا يرفض أصحاب الاقتصاد الموازي التسجيل الرسمي لدى الدولة؟

يقول ( م . ع ا ) موظف مكتب عقارات بمنطقة الدقي بالقاهرة:
انا شغال في مكتب استشارات عقارية، لكن بنمارس شغلنا في التسويق العقاري كده بشكل طبيعي، وأغلب الشركات بتعمل كده، بس علشان الضرائب على عمليات البيع، والرسوم المفروضة علينا والبائع والمشتري، فالحل الأنسب علشان نعرف نشتغل اننا بنشتغل بره السجلات خالص، واننا كشركة أصلا مش بنظهر خالص أو بنظهر على الورق، بس البائع والمشتري بيكونوا أحرار لما بيروحوا يسجلوا ويدفعوا الرسوم والضرائب 

الدولة عاوزة تشاركنا في كل جنيه احنا بنكسبه، في المقابل احنا مش مستفيدين أي حاجة، بل العكس، الدولة بقا بتزاحمنا في قطاع العقارات، وكل المقاولين قاعدين في بيوتهم مش لاقيين شغل، والعمال مُشردين في الشوارع، وبعد كل ده عاوزين كمان يشاركونا في المكسب اللي هو اصلا مش موجود.
ومش بس ضرائب لازم ندفعها، لا كمان علشان ناخد ترخيص مزاولة مهنة هندفع في ستين جهة والتأمينات وخلافه، وفي الآخر الدولة بس المستفيدة واحنا مش لاقيين نعيش.

الحكومة تتوسع في الجباية

أصدرت الحكومة قوانين تفرض رسوم باهظة على تراخيص مزاولة المهن، وتقنين الأنشطة، إذ قررت الحكومة فرض رسوم معاينة على المنشآت الاقتصادية يبلغ 1000 جنيه.
فضلًا عن رسم ترخيص يتراوح بين 1000 جنيه و 100.000 جنيه، حسب المساحة وحجم العمالة والموقع والنشاط، كما فرضت رسومًا على التنازل عن الترخيص يصل حتى 10.000 جنيه.
إضافة إلى رسم خاص للأنشطة الصناعية بقيمة 5000 جنيه للانشطة العادية ويصل إلى 20.000 للأنشطة الخطرة مع رسم متابعة سنوي بنفس القيمة.
كما ألزمت الحكومة المنشآت الفردية والشركات بدفع نسبة 2.5 في الألف من إجمالي الإيرادات السنوية سواء كانت المؤسسة تحقق أرباحًا أو خسائر، ولا يتم خصمها من ضريبة الدخل، وذلك وفقًا لقانون التأمين الصحى الشامل رقم 2 لسنة 2018.

عربات الطعام

كما ألزمت الحكومة عربات تقديم الطعام المتنقلة بالتقدم للحصول على ترخيص لمزاولة المهنة بشكل سنوي بقيمة تتراوح بين 2000 جنيه إلى 5000 جنيه، فيما أقرت الحكومة غرامة على العربات المخالفة تصل إلى 20.000 جنيه.

الأطباء

ووفقًا لقرار وزير المالية 422 لسنة 2021، ألزمت الحكومة المستشفيات بزيادة قيمة الضرائب المستقطعة من المستحقات المالية للأطباء والإخصائيين الغير عاملين بشكل ثابت بالمستشفيات لتصل إلى 3% من الأتعاب أو 200 جنيه لكل عمل يقومون به.

مجالات جديدة تحت مقصلة الجباية

لم تكتفي الحكومة بإحكام الحصار حول الأنشطة التقليدية لإجبار أصحابها على الترخيص ودفع الضرائب والرسوم، ولكنها لجأت أيضًا إلى تحديد شرائح وأنشطة جديدة لم تكن مطالبة من قبل بالتسجيل ودفع الضرائب، بحثًا عن رفع الحصيلة السنوية للضرائب.

لم تكتف الحكومة بضم الأنشطة التقليدية للاقتصاد الرسمي، إذ قرر المجلس الأعلى للإعلام بإلزام المواقع الالكترونية بالتقدم للحصول على ترخيص، على أن تتحول إلى شركة برأس مال لا يقل عن 100 ألف جنيه.

وفى سبتمبر الماضى أعلنت وزارة المالية عن ضريبة على صناع المحتوى الرقمى ”Youtubers“ و ” Bloggers” بنسبة 10 % لمن تزيد أرباحهم السنوية عن نصف مليون جنيه.

كما ألزمت الحكومة سماسرة العقارات بالإبلاغ عن بيع أو إيجار أي عقار للاستفادة بها من قبل مصلحة الضرائب العقارية.

وفقًا للقانون 90 لسنة 2021، ألزمت الحكومة العاملين بالنقل البرى الداخلى والخارجى لنقل الركاب أو البضائع بعدم ممارسة النشاط إلا بعد الحصول على ترخيص بقيمة مالية تختلف حسب عدد الركاب، إضافة إلى الرسوم السنوية لإدارة المرور.

ووفقًا للقانون 87 لسنة 2018 ألزمت الحكومة العاملين بقطاع النقل الذكي ( أوبر – كريم ) بالحصول على تصريح للتشغيل وسداد الضرائب والتأمينات، وأصبح الخضوع الضريبي لهذا النشاط مزدوجا ليشمل ضريبة على الدخل وضريبة القيمة المضافة.

ووفقًا للقانون 150 لسنة 2020، ألزمت الحكومة سُياس السيارات بالشوارع والميادين بالحصول على رخص لمزاولة النشاط بتكلفة تتراوح بين 1000 جنيه إلى 3000 جنيه.

ووفقًا لقرار وزير المالية رقم 285 لسنة 2021، فقد طبقت الحكومة ضريبة القيمة المضافة على المطاعم والمحلات التجارية التى تقدم خدماتها للعملاء من خلال خدمة توصيل الطلبات الواردة عبر مواقعها الإلكترونية.

عجز الموازنة هو الدافع

تحليل سياسات الحكومة في ضم الاقتصاد غير الرسمي، يكشف أنها تسعى بشكل حثيث لحصد أكبر قدر من الضرائب والرسوم السنوية من النشاط الاقتصادي غير الرسمي دون تقديم أي خطط حقيقية لتحسين بيئة العمل لتلك الأنشطة.

وهو ما يكشف أن الهدف الحقيقي من ضم الاقتصاد الموازي رفع حصيلة إيرادات الضرائب، وهو ما صرح به وزير المالية، الدكتور محمد معيط موضحًا أن المستهدف العام المالي الحالي رفه حصيلة الضرائب إلى تريليون جنيه، بعد أن بلغت 700 مليار جنيه في العام المالي السابق.

وهو السبيل الوحيد لمواجهة عجز الموازنة والذي من المتوقع أن يبلغ هذا العام 475.5 مليار جنيه، بما يمثل 6.7% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي المتوقع، والذي تراجع بفضل زيادة حصيلة الضرائب بعد أن بلغت التوقعات 506.4 مليار جنيه العام المالي السابق بنسبة 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

إلا أن سياسات الحكومة لضم الاقتصاد الموازي دفعت أصحابه للجوء لحيل جديدة للتهرب من السجلات الرسمية، وهو ما أفقد الحكومة إمكانية مضاعفة الحصيلة الضريبية حال تقديم خطط قادرة على جذب الأنشطة الاقتصادية الغير رسمية مقابل حصولها على استفادة حقيقية.

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

أضف قائمة تشغيل جديدة

إشترك الآن ليصلكم جديد الأخبار

إشترك الآن في القائمة البريدية

إحصل علي جديد الأخبار