القصة
هكذا كشفنا تضليل الحكومة في عدد فرص العمل التي وفرتها المشروعات القومية خلال 7 سنوات.. فما القصة؟
>> الاقتصاد المصري وفر 3.212 مليون فرصة عمل فقط خلال 7 سنوات أغلبها بالقطاع الخاص
أعلنت وزارة التنمية المحلية توفير المشروعات القومية لنحو 7.3 مليون فرصة عمل خلال السنوات السبع الماضية حتى شهر يونيو الحالى، بينما أشار مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى توفير المشروعات القومية 5 مليون فرصة عمل خلال ست سنوات ونصف حتى شهر ديسمبر الماضى، وهو التصريح الذى كرره وزير المالية محمد معيط .
تضارب عدد فرص العمل التي وفرتها المشروعات القومية الذي ظهر في التصريحات الحكومية، دفع فريق عملنا في ”تفنيد“ لتتبع حركة البطالة، وحركة القوى العاملة في مصر خلال الفترة الزمنية التي تناولتها التصريحات الرسمية، للوقوف على العدد الحقيقي لفرص العمل الذي وفرته مشروعات الدولة.
ما هي الإحصائيات الرسمية عن عدد المشتغلين في مصر؟
تشير بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، المسؤول عن إعداد بيانات التشغيل والبطالة، إلى زيادة عدد المشتغلين ما بين شهرى يونيو 2014، وحتى مارس 2021، كآخر بيانات مُعلنة، بواقع 3 مليون و 212 ألف مشتغل خلال ست سنوات وتسعة أشهر.
وكان عدد المشتغلين قد بلغ فى نهاية يونيو 2014، وهو الشهر الذي تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي فيه الحكم، 23 مليون و 917 ألف مشتغل ، وبلغ عدد المشتغلين فى مارس من العام الحالى 27 مليون و 129 ألف مشتغل.
كيف يمكن تفسير التناقض بين بيانات المركزي للإحصاء وتصريحات الوزراء حول فرص العمل الجديدة خلال السنوات السبع؟
ذهب بعض المحللين في تحليل الفجوة بين الرقم الذي أعلنته وزارة التنمية المحلية لعدد فرص العمل التي وفرتها المشروعات القومية خلال السنوات السبع الأخيرة ( 7.3 مليون فرصة عمل ) وبين بيانات الجهاز المركزي للإحصاء ( 3.212 مليون فرصة عمل )، إلى أن الفجوة تمُثل عدد فرص العمل المؤقتة التي وفرتها المشروعات القومية والتي يحظى قطاع الإنشاءات بالعدد الأكبر منها.
وهو ما دفع فريق عملنا لبحث الفرضية والتحري حولها، وبتحليل طبيعة المشروعات القومية فإنها أضافت بالفعل فرص عمل مؤقتة ومتقطعة خلال تلك السنوات السبع، كان أبرز تلك المشروعات هو مشروع توسعة قناة السويس، إذ انتهت فرص العمل المؤقتة به بانتهاء التوسعة، وهو الأمر المتكرر في قطاع البناء والتشييد في خطط الطرق والمساكن والمدن الجديدة، ولكن هل أغفلت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حصر فرص العمل المؤقتة.
بمراجعة بيانات وإصدارات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن عدد المشتغلين المُعلن من قبل الجهاز عن عام 2020 بلغ 26.199 مليون شخص، بينهم 18.767 مليون شخص يعملون بأعمال دائمة، فيما يُصنف 5.599 مليون شخص يعملون عملا متقطعًا، وكذلك 1.637 مليون شخص يعلمون عملا مؤقتًا ، وأيضا 196 ألف شخص يعملون عملًا موسميًا.
وهو ما يكشف أن عدد المشتغلين في مصر عام 2020 يتوزع ما بين: 71.6 % لأصحاب العمل الدائم، و 21.4 % لأصحاب العمل المتقطع و 6.2 % لأصحاب العمل المؤقت و 0.7 % لأصحاب العمل الموسمى.
يشير جدول مقارنة أوضاع المشتغلين حسب مدى دوام العمل، إلى أن الزيادة الأكبر فى أعداد المشتغلين كانت من نصيب أصحاب الأعمال المتقطعة بواقع نحو 1 مليون و 183 ألف فرصة عمل، يليهم المشتغلين فى أعمال مؤقتة بواقه 578 ألف فرصة عمل، ثم أصحاب العمل الدائم بنحو 398 ألف مشتغل خلال حوالى سبع سنوات.
وهو ما يكشف أمران هامان، الأول أن إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول عدد فرص العمل الجديدة المتوفرة خلال السنوات السبع الماضية التي أعلنها شملت كل أنواع العمالة، ولكنها لم تتخطى 3 مليون و 212 ألف فرصة عمل جديدة، بما يعني أن تصريحات وزارة التنمية المحلية ورئيس الوزراء ووزير المالية لم تكن متطابقة مع الإحصائيات الرسمية للدولة.
كما أن الجدول يكشف أن المشروعات القومية وفرت فرص عمل مؤقتة بشكل أكبر من عدد فرص العمل الدائمة، وهو ما يعني أن فرص العمل المتوفرة لا توفر الأمان الاجتماعي للعاملين بها.
هل ساهمت فرص العمل بالمشروعات القومية فى تحسين الرعاية الاجتماعية والتأمينية والصحية للمشتغلين؟
كشفت إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن العمل بالمشروعات القومية لم يساهم فى تحسين الرعاية الاجتماعية والتأمينية والصحية للمشتغلين خلال السنوات السبع الماضية، إذ تدهورت تلك المؤشرات رغم فرص العمل التى وفرتها المشروعات القومية.
ويمكن تفسير تراجع نسب الرعاية الاجتماعية والصحية للمشتغلين خلال السنوات السبع الأخيرة، بتراجع أعداد العاملين بالحكومة والقطاع العام الذين كان يتم التأمين إجتماعيًا وصحيًا عليهم بالكامل، مما كان يساهم فى تحسين النسب العامة للتأمين على المشتغلين، كذلك الظروف الصعبة التى يعانى منها القطاع الخاص فى ظل منافسة شركات الجيش له.
فضلًا عن ارتفاع النسبة التى يدفعها صاحب العمل للتأمينات الاجتماعية حتى مع القانون الجديد للتأمينات الاجتماعية، وفرض مبالغ مقطوعة على الشركات للتأمين الصحى الشامل قبل الاستفادة به، حيث ما زال مجال تطبيقه محصورا بعدد قليل من المناطق.
تراجع أعداد المؤمن عليهم من المشتغلين في مصر لفت انتباه فريق عملنا في ”تفنيد“ نحو تتبع مصادر العمل التي وفرت فرص تشغيلية.
هل كانت الحكومة مسؤولة عن توفير العدد الأكبر من فرص العمل؟
أشارت بيانات النشرة السنوية المُجمعة لبحث القوى العاملة لعام 2020 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إلى استحواز القطاع الخاص على نسبة 78.4 % من عدد المشتغلين بمصر خلال العام الماضى، مقابل نسبة 18.6 % للعمل بالحكومة و 2.6 % للعمل بالقطاع العام .
إذ بلغ عدد العاملين بالقطاع الخاص 20.5 مليون شخص، مقابل 4.881 مليون شخص بالحكومة و682 ألف شخص بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام معا.
وهو ما يشير الى تقديم القطاع الخاص العدد الأكبر من فرص العمل خلال السنوات السبع الأخيرة .
ويشير الجدول التحليلي السابق إلى تراجع عدد المشتغلين بالحكومة خلال فترة المقارنة ما بين يونيو 2014 وديسمبر 2020، إذ تناقص العدد بنحو 449 ألف موظف، استجابة للاتفاق مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر 2016 بالخفض التدريجي للعمالة بالحكومة من خلال الخروج للمعاش وعدم إجراء تعيينات جديدة .
كما انخفض عدد العاملين بشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال بنحو 166 ألف شخص، بسبب التوجه لخفض العمالة بهما وخفض عدد الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام .
فى حين زاد عدد العمالة بالقطاع الخاص بنحو 4 مليون و346 ألف شخص وهو ما يعني تعويض القطاع الخاص لنقص عدد المشتغلين بالحكومة والقطاع العام، وانفراده بالزيادة فى عدد المشتغلين خلال السنوات السبع الماضية.
من الذي نفذ المشروعات القومية التي وفرت فرص العمل؟
تصريحات رئيس الوزراء حول توفير فرص العمل أعطت انطباعًا بأن الحكومة قد وفرت فرص العمل للمشتغلين، إلا أنه بتتبع نشرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فضلًا عن المنصات الرسمية للوزارات والهيئات، فإن القطاع الخاص قام بتنفيذ جانب كبير من تلك المشروعات القومية، وقد قام بزيادة العاملين به للوفاء بالعمل بتلك المشروعات.
ففى مجال المقاولات على سبيل المثال لا تكفى طاقة الشركات الحكومية للمقاولات سواء التابعة لجهاز الخدمة الوطنية أو للإنتاج الحربى أو للشركة القابضة للتشييد، أو التابعة للقطاع العام، للوفاء بتنفيذ المشروعات الإنشائية المتعددة ومنها العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وغيرها .
ومن ناحية أخرى فإن قوائم المشروعات القومية المعروضة بموقع خريطة مشروعات مصر تتضمن الكثير من مشروعات القطاع الخاص، فعلى سبيل المثال ففى قطاع الصناعة والذى ذكر به 115 مشروعات بعضها مازال تحت التنفيذ، تضمنت القائمة شركات عديدة تابعة للقطاع الخاص نذكر منها:
مصنع المنيا للسكر ومصنع النوران للسكر بالصالحية ومصنع مسطرد للتكرير ومصنع الأخشاب المضغوطة وخط انتاج بمصنع فارم فريتس وجيوشي للصلب والمنيا لكربونات الكالسيوم ومصنع ألواح الثلج المتنقل بالمنصورة ومصنع كى اند آي لأواني الطهى ببورسعيد وغيرها من مشروعات تابعة لشركات قطاع أعمال عام مثل شركة كيما وشركة مصر لحليج الأقطان .
هل أتاحت الحكومة الفرصة للقطاع الخاص للعمل بحُرية مقابل توفير فرص العمل؟
على الرغم من تحمل القطاع الخاص العبئ الأكبر في توفير فرص العمل خلال السنوات السبع الماضية، إلا أنه لم يحظ ببيئة مناسبة تضمن التنافسية، إذ استحوذت الحكومة على الجانب الأكبر من المشروعات.
وهو ما كشفه اللواء أركان حرب إيهاب الفار، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في يونيو 2020، إذ قال أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كلف أجهزة الدولة بتنفيذ أكثر من 20 ألف مشروع تنموي بتكلفة تتجاوز 4.5 تريليون جنيه مصري، كان نصيب الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وحدها نحو 25% من إجمالي المبلغ المرصود لتنفيذ المشروعات بواقع 1.1 تريليون جنيه مصري.
والهيئة الهندسية هي جهة واحدة من عشرات الجهات الحكومية التي تقوم بتنفيذ مشروعات الدولة، إلا أنها تتميز باعتمادها على المجندين في تنفيذ الأعمال الخدمية والمدنية في المشروعات بدلًا من تحمل تكلفة تعيين موظفين مدنيين.
التعليقات حول هذا المقال