البلد
: تونسالقصة
كتبت: نورهان كاهنة
يكثرُ النقاش بشأن تطوّر المؤشّرات الإنتاجيّة لقطاع المحروقات والفسفاط في تونس، حتّى إنّها تتحوّل دائما إلى أداة لتقييم كفاءة الأنظمة والحكومات السياسيّة المتعاقبة منذُ 2010، وهو ما أدّى إلى التلاعب بها قصد التضليل أحيانا. ونقدّم، في هذا الصدد، تقريرا كاملا بالبيانات حول قطاع المحروقات والمناجم في تونس عبر رصد أهمّ الاكتشافات ومؤشرات الإنتاج والاستهلاك والعائدات الماليّة لثلّة من المؤسسات القطاعيّة.
ماهي أهمّ الاكتشافات النفطيّة؟
وفقا لوزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسيّة، يُعدّ حقل “البرمة” النفطيّ، الذّي تمّ اكتشافه من طرف الشركة الإيطاليّة التونسيّة لإستغلال النفط (SITEP) في سنة 1964 ثمّ دخل طور الإنتاج في سنة 1966، أوّل اكتشاف هامّ على مستوى الحجم والاحتياطيّ إلى هذا اليوم ، بالرغم من أنّ نشاط التنقيب سبق ذلك التاريخ.
وقد شجّع اكتشاف الحقل المذكور المستثمرين المحليّين والأجانب لتكثيف نشاط الحفر والتنقيب، ممّا أدّى إلى اكتشاف عدّة حقول نفطيّة أخرى، أهمّها حقل “عشتروت” البحري، ثاني أكبر حقل نفطي في تونس، والذّي يقع في خليج قابس، حيثُ اكتشفته الشركة التونسيّة للبحث عن النفط واستغلاله بالبلاد التونسيّة (SEREPT) في سنة 1970 ثمّ قامت بتطويره وإدخاله في طور الإنتاج في سنة 1974.
وتقول وزارة الطاقة التونسيّة أنّه تمّ حفر ما يزيدُ عن 1200 بئرا إلى موفى سنة 2020، أدّت إلى حوالي 120 اكتشافا، إلّا أنّه باستثناء “البرمة” و “عشتروت” تعتبر بقية الآبار صغيرة الحجم ومحدودة الاحتياطي. ومع ذلك، تم تطوير أغلبها في إطار امتيازات استغلال سارية المفعول، بلغ عددها 56 امتيازا في سنة 2023، 44 منها في طور الإنتاج، وفقا لنشريّة الوضع الطاقي لسنة 2023.
ماذا بشأن الغاز الطبيعي؟
وفق وزارة الطاقة، بدأ الاهتمام الفعليّ بالغاز الطبيعي في سنة 1972 وذلك بتثمين غاز حقل “البرمة” وإنشاء الأنبوب الناقل له من طرف الشركة التونسية للكهرباء والغاز التّي تمّ تأسيسها في سنة 1962. سبقت الاكتشافات ذلك التاريخ، لكن لم يتمّ تثمينها لعدم توفّر سوق محليّة ولا تصديرها لمحدوديّة إنتاجها.
تلى ذلك اكتشاف حقلي الغاز “ميسكار” و”صدربعل” على التوالي في سنتي 1972 و 1974 بخليج قابس وصفاقس، إلّا أنّ عمليّات تطويرهما تأخرّت على التوالي إلى سنتي 1996 و2007 لأسباب تقول وزارة الطاقة أنّها “اقتصاديّة واستراتيجيّة”، فيما تمّ دخول عدّة حقول أخرى طور الإنتاج على غرار “باقل” و “الفرانيق” في سنة 1997 و “الشرقي” في سنة 2008 وغيرها. وفي 2020، تمّ إدخال حقل “نوّارة” حيز الإنتاج، ليكون من أهمّ الحقول إنتاجا.
فسفاط جبل الثالجة تحت منظار “الاحتلال الفرنسي”؟
أمّا الفسفاط، فقد تمّ اكتشافه لأوّل مرّة في سنة 1885، أي في فترة الاحتلال الفرنسي لتونس، في منطقة “جبل الثالجة” من قبل البيطري الفرنسي فيليب توماس. تلى ذلك إنشاء شركة الفسفاط والسكك الحديديّة في سنة 1897 ثمّ انطلقت تونس في تثمين الفسفاط منذُ بداية السنوات 1900.
ويدور نشاط الاستخراج والإنتاج في 5 أقاليم تضمّ 8 مناجم سطحيّة و10 مغاسل أو وحدات إنتاج تتوزّع إلى 4 وحدات إنتاج بـ “المتلوي” و3 وحدات إنتاج ب “المظيلة” فيما تضمّ “أم العرائس” و “الرديف” و “كاف الدور” الثلاث وحدات المتبقيّة، وذلك وفقا لشركة فسفاط قفصة.
وفي هذا الصدد نتساءل، كيف تطوّر إنتاج المواد الطاقيّة والمنجميّة في ظلّ هذه الاكتشافات؟
كيف تطوّرت إنتاجيّة الحقول النفطيّة في تونس؟
بلغ الإنتاج الوطني للنفط الخام 110 آلاف برميل كمعدّل يوميّ في سنة 1980 ثمّ انخفض إلى 80.4 ألف برميل يوميّا في سنة 2000 ثمّ إلى 78.8 برميل يوميّا في 2010 ومنه إلى 41.6 ألف برميل يوميّا في سنة 2016 لتبلغ تونس بذلك أقلّ معدّل إنتاج محليّ طيلة الفترة الممتدّة بين 1980 و2016، وفقا لموقع “Worldometers“، المتخصّص في متابعة الوضع الطاقي على الصعيد الدولي.
وبلغت تونس الذروة إنتاجها للنفط الخام في السنوات 1982 و1983 و1983 بإنتاجها 120 ألف برميل كمعدّل يومي، وفق ذات المصدر.
ووفقا لوزارة الصناعة والمناجم والطاقة، بلغ معدّل الإنتاج المحلّي للنفط الخام 38.7 ألف برميلًا يوميّا في سنة 2017، ثمّ إنخفض إلى 38.2 ألف برميلًا يوميّا في 2018، ثمّ 35.4 ألف برميل يوميّا في سنة 2019 ومنه إلى 32.9 ألف برميل يوميّا في سنة 2020.
وشهد إنتاج النفط الخام اليوميّ تحسّنا طفيفا ببلوغه معدّل 40.7 ألف برميل في سنة 2021 قبل أن ينخفض مجدّدا إلى 35.4 ألف برميل في سنة 2022 ثمّ إلى 33.1 ألف برميل في سنة 2023، وفق بيانات محيّنة لذات الوزارة.
ويرصدُ تفنيد في الرسم البياني التالي تطوّر الإنتاج المحلي للنفط الخام في تونس في الفترة الممتدّة بين 1980 و 2023 استنادا إلى البيانات التّي يتيحها موقع “Worldometers” ووزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسيّة:
هل تنضبُ حقول الغاز الطبيعي في تونس؟
في المقابل، ارتفع معدّل انتاج الغاز الطبيعي من 12.000 مليون قدم مكعّب في سنة 1990 إلى 82.990 مليون قدم مكعّب في سنة 2000 ثمّ إلى 108.770 مليون قدم مكعّب في سنة 2010، ومنه إلى 87.405 مليون قدم مكعّب في سنة 2015 وفقا لموقع “Worldometers“.
لكن ماذا بشأن السنوات الموالية؟ بمزيد البحث والتحرّي، توصلنا إلى بيانات تُتيحها وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسيّة تتعلّق بتطوّر الإنتاج الوطني للغاز الطبيعي في الفترة الممتدّة بين سنتي 2016 و2023، لكنّها تعتمدُ وحدة “الأف طنّ مكافئ نفط” كوحدة قيس، خلافا لموقع “Worldometers” الذّي يعتمد “المليون قدم مكعّب” كوحدة قياسيّة.
واستنادا لبيانات الوزارة المذكورة، انخفض الإنتاج الوطنيّ للغاز الطبيعي من 1996 ألف طنّ مكافئ نفط في 2016 إلى 1850 ألف طنّ مكافئ نفط في سنة 2017 ثمّ إلى 1763 ألف طنّ مكافئ نفط في سنة 2018، ثمّ إلى 1585 ألف طنّ مكافئ نفط في سنة 2019 ليسجّل ارتفاعا طفيفا إلى 1646 ألف طنّ مكافئ نفط في سنة 2020، ومنها إلى 1946 ألف طنّ مكافئ نفط في سنة 2021. وتراجع الإنتاج الوطني من الغاز الطبيعي مجدّدا إلى 1815 ألف طنّ مكافئ نفط في سنة 2022 ومنه إلى 1626 ألف طنّ مكافئ نفط في سنة 2023.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر الإنتاج الوطني للغاز الطبيعي في الفترة الممتدّة بين 2016 و 2023 استنادا لبيانات وزارة الطاقة التونسيّة:
الفسفاط، ثروة الوطن قبل ثورته:
أمّا الإنتاج الوطني للفسفاط، فقد كان يبلغُ 0.2 مليون طنّ مع بداية تثمين المادّة في سنة 1900 ثمّ ارتفع بنسب متفاوتة ليبلغ 3.4 مليون طنّ، وهو أعلى مستوى بلغتهُ تونس قبل استقلالها في سنة 1957، ثمّ انخفض الإنتاج إلى أقلّ من مليون طنّ في السنوات بين 1942 و 1945 قبل أن يتعافى تدريجيّا ليبلغ 2.3 مليون طنّ في سنة 1952 ومنها إلى 2.1 مليون طنّ في سنة 1957، وذلك وفق بيانات لوزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسيّة.
ووفق ذات المصدر، ارتفع نسق انتاج الفسفاط تدريجيّا، إثر الاستقلال، ليبلغ 4 مليون طنّ في سنة 1979 ثمّ 6.3 مليون طنّ في سنة 1987، ومنها إلى 8.3 مليون طنّ في سنة 2000، وهي أعلى حصيلة إنتاج بلغتها تونس منذُ سنة 1900. واستقرّ الإنتاج في حدود 8.1 مليون طنّ في سنة 2010 قبل أن يشهد انخفاضا حادّا إلى 2.2 مليون طنّ في سنة 2011. ومنذُ ذلك العام، لم يزد حجم الإنتاج الوطني من الفسفاط عن 3.9 مليون طنّ سجّلها القطاع في سنة 2017 قبل أن يتراجع مجدّدا إلى 2.8 مليون طنّ في سنتي 2018 و2020.
ويُتوقّع أن تبلغ حصيلة الإنتاج الخاصّة سنة 2023 حوالي 3.2 مليون طنّ مقابل 3.5 مليون طنّ تمّ تسجيلها في سنة 2022 وفقا لما نقله تقرير الميزان الاقتصادي لسنة 2024.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر إنتاج الفسفاط في تونس طيلة الفترة الممتدّة بين سنتي 1900 و2023 بالاعتماد على بيانات وزارة الطاقة التونسيّة:
هل يتوافقُ الإنتاج الوطنيّ مع حاجيات السوق المحليّة من المحروقات؟
تطوّرت احتياجات تونس من النفط الخامّ تدريجيّا من 52 ألف برميل في سنة 1980 إلى 85.8 ألف برميل في سنة 2000 ثمّ 87.6 ألف برميل في سنة 2010 ومنها إلى 97 ألف برميل في سنة 2016، وذلك وفق ما تُحيلنا عليه بيانات لموقع “Worldometers”، والتّي يرصدها “تفنيد” في الرسم البياني التالي:
ولا تتوفّر بياناتٌ رسميّة بشأن تطوّر حاجيات تونس الاستهلاكيّة من النفط الخام منذُ سنة 2017.
أمّا الطلب على الغاز الطبيعي، فقد ارتفع من 13000 مليون قدم مكعّب في سنة 1980 إلى 108.770 مليون قدم مكعّب في سنة 2000 ثمّ إلى 154.327 مليون قدم مكعّب في سنة 2008، ومنها إلى 180.636 مليون قدم مكعّبا في 2016 وفقا لبيانات موقع “Worldometers”، والتّي يرصدها “تفنيد” في الرسم البياني التالي:
في المقابل، تنعدمُ البيانات الرسميّة بشأن الحاجيات الاستهلاكيّة للفسفاط في تونس، لكنّهُ يُستخدم عادة كمادّة أوليّة في صنع الحامض الفسفوري والسماد العضوي والصناعات الصيدليّة والكيميائيّة. وتُعتبرُ الفلاحة القطاع الأساسي لإستخدام الفسفاط عبر تحويله إلى أسمدة عاديّة أو مركّبة أو نشره مباشرة لتخصيب النباتات وفقا لما تُفيد به شركة فسفاط قفصة في نبذة عن استخدامات المنتوج.
استنادا لكلّ ما سبق، نخلصُ إلى أنّ تونس باتت تشهدُ عجزا فيما يتعلّقُ بالنفط الخام منذُ بداية الألفينيّات، حيث بلغ 5448- برميل كمعدّل يوميّ في سنة 2000 ثمّ تفاقم تدريجيّا ليبلغ 55.4- ألف برميل كمعدّل يوميّ في سنة 2016.
وفيما يتعلّق بالغاز الطبيعي، فتُحيلنا البيانات المتاحة على أنّ العجز تفاقم من 42000 مليون قدم مكعّب في سنة 1990 إلى 73.102 مليون قدم مكعّب في سنة 2015. ولا تتوفّرُ بياناتٌ سابقة أو موالية لهذه الفترة.
ويرصدُ “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر العجز الطاقي في تونس في الفترة الممتدّة بين 1980 و2016 استنادا إلى البيانات السابقة التّي يُتيحها موقع “Worldometers”:
ونتساءل، في هذا السياق، عن المؤشرات الماليّة للمنشآت العموميّة التونسيّة المشرفة على قطاعي الطاقة والمناجم في ظلّ تراجع إنتاجيّة هذه القطاعات وتفاقم عجزها أمام تزايد الاستهلاك.
أيّ مؤشّرات ماليّة للمنشآت العموميّة المشرفة على قطاعي الطاقة والمناجم؟
قمنا، في هذا الإطار، بتسليط الضوء على ثلّة من أبرز المنشآت العموميّة المشرفة على قطاعي الطاقة والمناجم والتّي تنضوي تحت إشراف وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسيّة، وهي المؤسسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة والشركة التونسيّة للكهرباء والغاز ثمّ شركة فسفاط قفصة، للتعرّف على تطوّر المؤشّرات الماليّة لتلك المؤسسات ومدى مساهماتها في الموارد الذاتيّة للدولة وإن كانت في المقابل تتلقّى دعما ماليّا منها.
ومن الصعوبات التّي واجهتنا عدم توفّر تقارير رسميّة أو بيانات مفتوحة تتعلّق بالوضعيّة الماليّة لهذه المؤسسات القطاعيّة قبل 2010 بما يسمح برصد أهمّ مؤشّراتها قصد مقارناتها بوضعيّتها في السنوات الأخيرة. أمّا التقارير المتاحة التّي اعتمدنا عليها، فتنشرها وزارة الماليّة التونسيّة منذ سنة 2018 “تكريسا لمبدأ الشفافيّة”، بما يسمحُ بمتابعة الوضع المالي للمنشآت العموميّة التونسيّة، التّي تبّنت الدولة خطّة استراتيجيّة لإعادة حوكمتها وإصلاحها منذُ سنة 2015.
المؤسّسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة:
تنشطُ المؤسسة في مجال البحث عن النفط والغاز واستغلالهما. وبالبحث والتحرّي، توصلنا إلى أنّ مجموع إيرادات استغلالها ارتفع من 953.2 مليون دينارا في سنة 2016 إلى 1251.8 مليون دينارا في سنة 2017 ثمّ إلى 1712.9 مليون دينارا في سنة 2018 ثمّ انخفض إلى 1599.3 مليون دينارا في سنة 2019، ومنها إلى 1048.3 مليون دينارا في سنة 2020 قبل أن يرتفع مجدّدا إلى 1682.1 مليون دينار في سنة 2021 ليبلغ 3157.5 مليون دينارا كآخر التقديرات المحيّنة لسنة 2022.
لكنّ ذلك لا يعني أنّ المؤسّسة قد حقّقت دائما مرابيحا صافية، فلئن ارتفعت النتيجة الماليّة الصافية من 19.4 مليون دينارا في سنة 2016 إلى 297.5 مليون دينارا في سنة 2018، فإنّها شهدت انخفاضا إلى 150 مليون دينارا في سنة 2019 قبل أن تنقلب إلى نتائج صافية سلبيّة بقيمة 407.1 مليون دينارا في سنة 2020 ثمّ تعافت تدريجيّا لتبلغ 219.8 مليون دينارا كنتائج وقتيّة في سنة 2022، فيما يُشير التقرير المالي للمؤسّسة لسنة 2022 أنّها بلغت 351 مليون دينارا كنتائج نهائيّة صافية.
وتقول وزارة الماليّة أنّه يتمّ سنويّا تخصيص اعتمادات لفائدة عدد من المنشآت بميزانيّة الدولة بعنوان منح توازن ومنح استثمار لتأمين مواصلة نشاط تلك المنشآت. وبالتدقيق، اكتشفنا أنّه، بالرّغم من تردّي وضعيّتها الماليّة، لم تتحصّل المؤسسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة على تحويلات ماليّة مباشرة من ميزانيّة الدولة طيلة الفترة الممتدّة بين سنتي 2017 و2022 وفقا لتقارير المنشآت العموميّة لسنتي 2021 و2024.
في المقابل، لئن انعدمت مديونيّة المؤسّسة تجاه الدولة في الفترة الممتدّة بين 2016 و2018 بالرّغم من تطوّر إجماليّ ديونها من 784 مليون دينارا إلى 916 مليون دينارا في ذات الفترة، فإنّ سنة 2019 شهدت تفاقما لمديونيّة المؤسّسة لتبلغ 1474.2 مليون دينارا، من بينها 666.3 مليون دينارا كديون تجاه الدولة. وتقلّصت مديونيّة المؤسسة تجاه الدولة نسبيّا لتبلغ 471.7 مليون دينارا من إجماليّ 1365.7 مليون دينارا في سنة 2020، ثمّ ارتفعت مجدّدا لتبلغ 794 مليون دينارا في سنة 2022 مقابل 714 مليون دينارا في سنة 2021، وفقا لذات المصادر.
استنادا لما سبق، نتبيّن أنّ الأموال التّي تضخّها الدولة لفائدة المؤسسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة ليست منح دعم لها، وإنّما هي ديون ربّما تحصّلت عليها الشركة في إطار تسهيلات وقروضٌ ستقوم بسدادها في آجل محدّد، كما يُمكن أن تكون أتاوات أو حصص أرباح أو أداءات وضرائب غير مسدّدة، وهو ما يتوافقُ مع تُفيد به وزارة الماليّة في ذات التقارير بشأن تركيبة الديون.
وبالرغم من مديونيّاتها تجاه الدولة، لم تتخلّف المؤسسة عن سداد مستحقّات الدولة التّي تتمثّلُ عادة في الدفوعات الجبائيّة والديوانيّة وتحويلات أرباح ودفع عمولة ضمان بالإضافة إلى تسديد أقساط قروض راجعة للدولة وبعض الدفوعات “الأخرى” غير المحدّدة. وفي هذا الإطار، ارتفعت تحويلات المؤسسة لفائدة ميزانيّة الدولة من 388.6 مليون دينارا في سنة 2017 إلى 666.51 مليون دينارا في سنة 2018 ثمّ إلى 820.34 مليون دينارا في سنة 2019 ثمّ شهدت انخفاضا ملحوظا في سنتي 2020 و2021 لتبلغ 403.2 مليون دينارا ثمّ 454.9 مليون دينارا على التوالي، قبل أن تشهد تحسّنا جوهريّا لترتفع إلى 1116.2 مليون دينارا كنتائج وقتيّة لسنة 2022.
وبمقارنة حجم مديونيّة المؤسسة تجاه الدولة بحجم تحويلاتها إلى ميزانيّتها، نلاحظُ أنّ حجم التحويلات يفوق حجم الديون، بإستثناء في سنتي 2020 و2021، وهما سنتان، نُذكّر أنّه، تخلّلتهما صعوبات ماليّة واقتصاديّة على الصعيد العالمي نتيجة لتفشي جائحة كورونا.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر أهمّ المؤشرات الماليّة الخاصّة بالمؤسسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة بين 2016 و2022:
الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز:
أمّا مجموع إيرادات استغلال الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز، فقد ارتفع من 3751.5 مليون دينارا في سنة 2016 إلى 4777.7 مليون دينارا في سنة 2017 ثمّ إلى 5810.7 مليون دينارا في سنة 2018، ومنه إلى 6793 مليون دينارا في سنة 2019 قبل أن ينخفض نسبيّا إلى 5663 مليون دينارا في سنة 2020، إلّا أنّها عادت مجدّدا إلى نسق الارتفاع التدريجي لتبلغ 7009 مليون دينارا في سنة 2021 ثمّ ارتفعت إلى 9308 كنتائج مؤقّتة لسنة 2022.
لكن في المقابل، تميّزت العائدات السنويّة الصافية للمؤسسة بسلبيّتها، بإستثناء سنتي 2019 و2021، حيثُ تضخّمت من 354.4- مليون دينارا في 2016 إلى 1193.7- مليون دينارا في سنة 2017 ثمّ إلى 2093.5- مليون دينارا في سنة 2018، ثمّ تطوّرت إيجابيّا لتبلغ 106.4 مليون دينارا في سنة 2019، لكنّها تراجعت مجدّدا إلى 60- مليون دينارا في سنة 2020 ثمّ حقّقت قفزة نوعيّة في سنة 2021، حيث بلغت 3470 مليون دينارا قبل أن تتراجع إلى 1175- مليون دينارا كنتائج مؤقتة في سنة 2022.
أمّا فيما يتعلّق بمديونيّة المؤسّسة تجاه الدولة، فقد بلغت 2.2 مليون دينارا في سنة 2016 ثمّ تراكمت إلى 63 مليون دينارا و 88.8 مليون دينارا على التوالي في سنتي 2017 و2018. وتواصل تراكمها لتبلغ 124.4 مليون دينارا في سنة 2019 و145.5 مليون دينارا في سنة 2020 ثمّ تراجعت إلى 68.1 مليون دينارا كنتائج وقتيّة لسنة 2021. ولا تتوفّر بيانات رسميّة بشأن مديونيّة الشركة تجاه الدولة في السنوات الموالية.
وبمقارنة نسق تطوّر ديون الشركة بنسق تطوّر حجم عائداتها الصافية، نلاحظُ أنّ حجم المديونيّة تراجع بحوالي 77.4 مليون دينارا أو 53.19% بين سنتي 2020 و2021، في ظلّ تطوّر العائدات الصافية للمؤسسة بنحو 3530 مليون دينارا أو 5883.3% في ذات الفترة، وهو ما يُحيلنا على أنّ مديونيّة المؤسسة تجاه الدولة تتفاقم أكثر وأكثر كلّما تفاقمت نتائجها الصافية السلبيّة والعكس قد يكون صحيح.
وإلى جانب القروض، حوّلت الدولة مبالغ بقيمة 914.6 مليون دينارا لدعم المؤسسة في سنة 2017، ثمّ ارتفعت تلك التحويلات إلى 1200 مليون دينارا و1240 مليون دينارا على التوالي في 2018 و2019 ثمّ شهدت تراجعا كبيرا إلى 100 مليون دينارا في سنة 2020. وارتفعت قيمة التحويلات مجدّدا لتبلغ 1034 مليون دينارا في سنة 2021، ومنها إلى 3307 مليون دينارا كنتائج وقتيّة لسنة 2022.
يُشار إلى أنّ المؤسّسة تتمتّع أيضا بمنحة من الدولة بعنوان دعم المحروقات، حيثُ تعتمدُ وزارة الماليّة التونسيّة مبلغا سنويّا يتمّ اعتمادهُ ضمن ميزانيّة وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، على أن يخصّص جزءا منه كمنحة لفائدة الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز، فيما يخصّص الجزء الآخر لفائدة الشركة التونسيّة لصناعات التكرير. ومن المقدّر أن تبلغ منحة الدولة لفائدة شركة الكهرباء والغاز ما قيمته 4019 مليون دينارا في سنة 2024 مقارنة ب 2678 مليون دينارا تمّت برمجتها لسنة 2023، وفقا لتقارير وزارة الماليّة التونسيّة حول مشروع ميزانيّة الدولة لسنتي 2023 و2024. ولا تُعتبرُ هذه الدفوعات بعنوان “دعم المحروقات” دعما للمؤسّسة وإنّما تعويضا لها بإعتبارها حلقة من حلقات تنفيذ سياسة الدّعم الموجّه لفائدة التونسيّين.
على صعيد آخر، وبالرغم من تردّي أوضاعها الماليّة ما استوجب تدخّل من الدولة، ارتفعت تحويلات المؤسسة لفائدة ميزانيّة الدولة من 662.5 مليون دينارا في سنة 2017 إلى 733.7 مليون دينارا في سنة 2018 ثمّ إلى 899.8 مليون دينارا في سنة 2019 ثمّ شهدت انخفاضا طفيفا لتبلغ 846.9 مليون دينارا في سنة 2020 ثمّ 865.9 مليون دينارا في سنة 2021 بالرغم من تطوّر العائدات الصافية للشركة في ذات الفترة، ثمّ شهدت تحسّنا جوهريّا لترتفع إلى 1113.3 مليون دينارا كنتائج وقتيّة لسنة 2022.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر أهمّ المؤشرات الماليّة الخاصّة بالشركة التونسيّة للكهرباء والغاز بين 2016 و2022:
شركة فسفاط قفصة:
أمّا مجموع إيرادات استغلال شركة فسفاط قفصة، فقد ارتفعت من 486.8 مليون دينارا في سنة 2017 إلى 515.5 مليون دينارا في سنة 2018، ومنها إلى 621.9 مليون دينارا في سنة 2019. وتراجعت إيرادات استغلال الشركة إلى 418.1 مليون دينارا في سنة 2020 قبل أن ترتفع مجدّدا إلى 765.9 مليون دينارا ثمّ 1388.4 مليون دينارا على التوالي في 2021 و2022.
وبدورها، سجلّت الشركة نتائج عائدات سلبيّة بقيمة 128.9- مليون دينارا ثمّ 130.8- مليون دينارا على التوالي في سنتي 2017 و2018. ولئن اتّسمت العائدات بإيجابيّاتها في سنة 2019 ببلوغها 639.4 مليون دينارا، فإنّها تراجعت مجدّدا إلى 293.2- مليون دينارا في سنة 2020، قبل أن تتطوّر إلى 47 مليون دينارا في سنة 2021، ومنها إلى 445 مليون دينارا كنتائج وقتية لسنة 2022.
ويتوافقُ نسقُ تطوّر العائدات الصافية للمؤسسة مع نسق إيرادت الاستغلال التّي تُحقّقها، إذ تتحسّنُ مرابيح المؤسسة مع ارتفاع مداخيلها الجمليّة، فيما تنقلبُ إلى خسائر في حال تراجعت تلك المداخيل إلى حدّ أدنى، فإيرادات المؤسسة ليست كلّها مرابيح صافية، بل تُستخدمُ أجزاء منها لتسديد مستحقّات شركاءها، من بينها تسديدات القروض.
ووجبت الإشارة، في هذا السياق، إلى أنّ مديونيّة المؤسّسة تجاه الدولة فقط بلغت 333 مليون دينارا ثمّ 331.4 مليون دينارا على التوالي في سنتي 2017 و2018، ثمّ تراجعت إلى 55.5 مليون دينارا في سنة 2019 في ظلّ الارتفاع الذّي سجّلته العائدات الصافية للمؤسسة، غير أنها ارتفعت مجدّدا إلى 84.4 مليون دينارا في سنة 2020 تزامنا مع تراجع العائدات الصافية. وبلغت مديونيّة المؤسسة تجاه الدولة 128.2 مليون دينارا كنتائج وقتيّة في 2021، فيما لا تتوفّر بيانات رسميّة بشأن مديونيّة الشركة في السنوات الموالية.
وبالرغم من وضعيّتها الماليّة غير المستقرّة نسبيّا، لم تتحصّل شركة فسفاط قفصة على تحويلات ماليّة مباشرة من ميزانيّة الدولة طيلة الفترة الممتدّة بين سنتي 2017 و2022 وفقا لذات المصادر.
في المقابل، ارتفعت تحويلات المؤسسة لفائدة ميزانيّة الدولة من 30.52 مليون دينارا في سنة 2017 إلى 37.06 مليون دينارا في سنة 2018 ثمّ إلى 37.83 مليون دينارا في سنة 2019، ومنها إلى 44.1 مليون دينارا في سنة 2020 ثمّ 67 مليون دينارا في سنة 2021، لتحقّق قفزة نوعيّة ببلوغها 135.5 مليون دينارا كنتائج وقتيّة لسنة 2022.
ونلاحظُ وفقا لما سبق ارتفاع حجم الديون المتراكمة للمؤسسة بدرجة ملحوظة مقارنة بمساهمتها في الخزينة العموميّة للبلاد.
ويرصد “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر بعض المؤشرات الماليّة لشركة فسفاط قفصة بين 2017 و2022:
استنادا لكلّ ما سبق، نخلصُ إلى أنّ المنشآت العموميّة التونسيّة الناشطة في قطاعي المحروقات والمناجم تمرُّ بوضعيّة ماليّة حرجة، وهو عامل مؤثّر يُفسّر تراجع انتاجيّة تلك القطاعات وتفاقم عجزها، بالإضافة إلى تراجع القيمة المضافة لتلك المؤسسات في ميزانيّة الدولة أمام تفاقم مديونيّتها وتذبذب خلاص مستحقاتّها، وهو ما يُعلّل المناشدات والدعوات المستمرّة لإصلاح تلك المؤسسات وإعادة حوكمتها.
التعليقات حول هذا المقال