البلد
: تونسالقصة
كتبت: نورهان كاهنة
رحلةٌ برلمانيّة مُستجدّة انطلقت في غمارها تونس منذُ حوالي 10 أشهر بعد تدابير استثنائيّة اتّخذها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو 2021، أهمّها تجميد البرلمان ثمّ حلّه، لكنّها لم تُثمر عن أيّة نصوص تشريعيّة جديدة تمّت المصادقة عليها بمبادرة من النوّاب.
وفي هذا السياق، قال المحلّل الإذاعي إبراهيم الوسلاتي، خلال حضوره في برنامج “Midi Med”، على “Radio Med”، يوم 12 يناير 2024، إنّ عدد مقترحات القوانين التّي صدرت عن النواب التونسيّين أكثر من 30 مقترحا، إلّا أنّ الإشكال أنّ الأولويّة المطلقة تُعطى لمشروعات القوانين المتأتيّة من رئاسة الجمهوريّة على حساب القوانين المقترحة من النواب.
وأوضح: قد يقترح النوّاب قوانينا تتمّ إحالتها ومناقشتها على مستوى اللجان، ولكن في حال تمّت برمجة عرضها للنقاش في الجلسة العامّة بالتزامن مع وصول مشروع قانون من رئاسة الجمهوريّة، فإنّه يتمُّ تأجيل النظّر فيها إلى ما بعد عرض مشروع القانون الرئاسي.
حاولنا التحقّق من دقّة ادّعاء إبراهيم الوسلاتي، فاكتشفنا أنّه “صحيح نسبيّا”، حيثُ بالعودة إلى الموقع الرسمي لمجلس نوّاب الشعب التونسي، توصّلنا إلى أنّ النوّاب أودعوا 14 مقترح قانون منذُ بداية أعمال البرلمان في مارس 2023، ولا تزالُ كلّها تقريبا معروضة على اللّجان باستثناء مقترح واحد يتعلّق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيثُ تمّ عرضه على الجلسة العامّة في 2 نوفمبر 2023، ولكن تمّت مقاطعتها قبل الوصول إلى مرحلة التصويت.
وفي المقابل، ووفق ذات المصدر، أودعت رئاسة الجمهوريّة 38 مشروع قانون، بينها 15 تمّ إصدارها في الرائد الرسمي بعد المصادقة عليها في جلسات عامّة، فيما تمّت المصادقة على 6 مشروعات أخرى، من ضمنها 5 تقاريرها النهائيّة جاهزة.
وتوجد 4 مشروعات قوانين معروضة على الجلسة العامّة فيما يُعرض على اللّجان 13 مشروعا، ولكن ما هو الفرق بين المبادرات التشريعيّة المودعة من الرئاسة وتلك المودعة من النواب؟
ينصّ الفصل 68 من الدستور التونسي، على أنّ لرئيس الجمهوريّة حقّ عرض مشروعات قوانين على السلطة التشريعيّة، فيما يحقّ للنوّاب عرض مقترحات قوانين شرط أن تكون مقدّمة من 10 نوّاب على الأقلّ.
وعليه، فإنّ كلّ مبادرة تشريعيّة تُقدّم إلى البرلمان من قبل رئيس الجمهوريّة تُسمّى “مشروع قانون”، فيما يُطلق على المبادرات التشريعيّة المقدّمة من قبل النوّاب “مقترحات قوانين”. ولكن هل يقتصر الاختلاف على التسمية؟
ووفق ذات الفصل 68، يختصّ رئيس الجمهوريّة بتقديم مشروعات قوانين الموافقة على المعاهدات ومشروعات قوانين الماليّة، فيما لم تُحدّد اختصاصات بعينها للنوّاب، ولكن نصّ الفصل 69 من الدستور التونسي على أنّ مقترحات القوانين ومقترحات التنقيح التي يتقدّم بها النوّاب لا تكون مقبولة إذا كان من شأنها الإخلال بالتوازنات المالية للدولة.
ولكن على أيٌ أساس تُمنح الأولويّة لمناقشة المبادرات التشريعيّة الرئاسيّة على حساب المبادرات التشريعيّة للنوّاب أنفسهم؟
أولويّة دستوريّة:
لا يُعتبر منح الأولويّة لمناقشة المبادرات التشريعيّة أو “مشروعات القوانين” التّي ترِد على البرلمان من قبل رئاسة الجمهوريّة محاباة للرئيس أو حطّا من قيمة المبادرات التشريعيّة أو “مقترحات القوانين” المودعة من قبل البرلمانيّين أنفسهم، بل هو تطبيق للنصّ القانوني، إذ ينصّ ذات الفصل 68 من الدستور التونسي على أنّ أولويّة النظر تكون لمشروعات القوانين، أي أنّه تتمّ إحالة المبادرات التشريعيّة التّي يتقدّم بها الرئيس ومناقشتها والمصادقة عليها قبل أيّة مبادرات تشريعيّة أخرى.
هل يعتبر التمييز بين المبادرات التشريعيّة سابقة دستوريّة؟
عمّقنا بحثنا لمعرفة إن كان نظام التمييز بين المبادرات التشريعيّة سابقة دستوريّة شرّع لها دستور 2022 دون الدساتير التّي سبقتها، فتوصلنا إلى أنّ دستور 2014 منح أيضا أولويّة النظر للمبادرات التشريعيّة الرئاسيّة، إذ ينصّ الفصل 62 على أنّ المبادرة التشريعيّة تُمارَس بمقترحات قوانين من 10 نوّاب على الأقلّ، أو بمشروعات قوانين من رئيس الجمهوريّة أو رئيس الحكومة، على أن تكون لها أولويّة النظر.
وخلافا لدستور 2022، نصّ ذات الفصل من دستور 2014 على أنّ رئيس الحكومة هو من يختصّ بتقديم مشروعات قوانين الموافقة على المعاهدات ومشروعات قوانين الماليّة.
التعليقات حول هذا المقال