البلد
: مصرالقصة
كتبت: شيماء سُليمان
منذ انطلاق منصة “تفنيد”، نستقبل الكثير من التساؤلات حول تفنيد التصريحات الحكومية، وكيفية تدقيق تصريح المسؤول، لاسيما أن المؤسسات الحكومية والمسؤولين الرسميين هم المصدر الأول لتقديم المعلومة، وهو ما دفعنا لمشاركتكم السؤال وإجابته.. السؤال هو “هل الرواية الرسمية للمسؤول صحيحة دائمًا؟”.. أما إجابته فنوضحها في التقرير التالي:
من واقع البحث والتحري اليومي في مؤسستنا، نستطيع أن نجيب على التساؤل بـ”لا”.. فالروايات الرسمية للمسؤول ليست صحيحة دائمًا، وبعض التصريحات يحمل أخطاءً بسيطة وأخرى تحمل أخطاءً كبيرة والبعض الآخر يكون غير صحيحًا من الأساس.
رصدنا أبرز الموضوعات التي تحققنا منها خلال الربع الأول من عام 2022، وكانت كالتالي:
- عدد التصريحات “الصحيحة” للمسؤولين والمؤسسات الحكومية بلغت 5 موضوعات.
- عدد التصريحات “غير الصحيحة” بلغت 29 موضوعًا.
- عدد التصريحات “غير الدقيقة” بلغت 130 موضوعًا.
- عدد التصريحات “المتضاربة” بلغت 40 موضوعًا.
- عدد التصريحات “المضللة” بلغت 25 موضوعًا.
- عدد التصريحات “الانتقائية” بلغت 3 موضوعات.
- عدد التصريحات التي تهدف إلى “الإثارة” بلغت 3 موضوعات.
مما سبق نكتشف أن بعض التصريحات أو البيانات الصادرة من المسؤول تكون صحيحة، مثل البيان الذي أطلقته هيئة ميناء دمياط حول عدم مرور السفينة الغارقة بتونس “إكسيلو” في أبريل 2022 عبر مياهها الإقليمية، إذ قام فريق العمل حينها بتفنيد التصريح، وتأكدنا من صحته من خلال رحلة البحث والتتبع للسفينة عبر الأقمار الصناعية، وتابعنا حركتها بتتبع حركة السير في الملاحة البحرية والسفن.
ومن التصريحات التي دققناها واكتشفنا صحتها أيضًا، تصريح لوزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أطلقته يوم 23 فبراير 2022، وقالت فيه إن مُعدل النمو الاقتصادي بلغ 2% خِلال الرُبع الثاني من عام 2020 – 2021.
ولكن على الجانب الآخر رصدنا تصريحاتًا أخرى غير صحيحة أو غير دقيقة أو متضاربة أو انتقائية، إذ رصدنا أكثر من 100 تصريح للمسؤولين والجهات الرسمية كانت تحمل أرقامًا أو معلوماتًا غير دقيقة ودققناها، وهي النسبة الأكبر في عملية الرصد والتحقق التي قمنا بها خلال الربع الأول من عام 2022.
ومن بين الموضوعات التي تتبعها فريق عمل “تفنيد”، ودقق ما فيها من إشكاليات، بيان رسمي نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء، يوم 7 مايو 2022، احتوى على تصريح لعاصم الجزار، وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، بإن مدينة حدائق العاصمة، مساحتها 29 ألف فدانًا.
تحرى فريق عملنا حول التصريح، وتبين أنه “غير دقيق”، إذ بالرجوع لبيانات هيئة المجتمعات العمرانية وخريطة مشروعات مصر وشركات التسويق العقاري اكتشفنا أن مساحة مدينة حدائق العاصمة 33.8 ألف فدانًا وليس 29 ألفًا فقط بفارق 4.8 آلاف فدان وهو ما يُمثل 16.5% من مساحة المدينة تقريبًا.
وفي 19 أبريل 2022، قال محمد شاكر، وزير الكهرباء، إن محطة بنبان للطاقة الشمسية هي الأكبر في العالم بمكانٍ واحد وبقدرة إجمالية 1465 ميجاوات.
توقف فريق البحث أمام التصريح، وبالبحث في البيانات الدولية والتصريحات الحكومية لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار وكذلك رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب وعدد أخر من المسؤولين.. اكتشفنا أن تصريح وزير الكهرباء “غير صحيح” فمشروع بنبان يأتي رابعًا كأكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم بقُدرة إنتاجية تبلُغ 1650 ميجاوات.
وللمزيد من التوضيح نستعرض معكم مثالًا آخر لتصريح تحققنا منه، ففي 13 مارس 2022، صرح طارق سليمان، رئيس قطاع الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة، بإن مصر هي صاحبة أقل سعر للحوم على مُستوى العالم.
راجعنا المؤشرات العالمية لأسعار اللحوم، واكتشفنا أن تصريح رئيس الثروة الحيوانية “مُضللًا”، إذ تُباع اللحوم في مصر بـ12.39 دولارًا بينما تُباع بأرخص من ذلك في 61 دولةً على مُستوى العالم.
كما أعددنا حصادًا لإجمالي تصريحات المسؤولين والجهات الحكومية في عام 2021، والتي فندنا أكثر من 300 تصريح وبيان منها، وكان المسؤولين الأكثر إصدارًا لتصريحات أو بيانات بها إشكاليات، هم:
- الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية “17 تصريحًا”.
- الدكتور عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية “11 تصريحًا”.
- الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء “10 تصريحات”.
- الرئيس عبد الفتاح السيسي “9 تصريحات”.
- إبراهيم عشماوي، مساعد وزير التموين “9 تصريحات”.
-
ما هي سياستنا لتفنيد التصريحات والبيانات الرسمية؟
تقف “تفنيد” موقف المراقب من الرئاسة والحكومة والأجهزة التابعة لها، وتفند خطابها وتصريحاتها في إطار تفعيل صحافة المسائلة، وتتبنى موقف متوازن تجاه السلطات الرسمية، وتهتم في مرحلتها الأولى بالقضايا المرتبطة بمصر والمتعلقة بالسلطة سواء داخل مصر أو خارجها.
كما تفرد “تفنيد” المساحة لصناعة ملفات خاصة حول القضايا ذات الثقل والتي تحتاج إلى تفسير في أكثر من زاوية اعتمادًا على أدوات صحافة البيانات.
-
وكيف نُدقق تصريح المسؤول ونتحقق منه؟
تتتبع “تفنيد” التصريحات أو البيانات الرسمية التي تثير الشكوك لدى الجمهور، وتسير بسياسة تحريرية واضحة، وهي إن المصادر المعلوماتية الرسمية للدولة أكثر مصداقية وترجيحًا من تصريحات المسؤولين وبياناتهم، فعلى سبيل المثال “نشرة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول عدد المشتغلين والعاطلين عن العمل في فترة زمنية محددة أكثر ترجيحًا ومصداقية من تصريحات المسؤولين أو أعضاء مجلس النواب” في الشأن ذاته.
وتراعي “تفنيد” في سياساتها، أن الجهات المتخصصة ذات الجدارة هي الأكثر ترجيحًا من المسؤولين التنفيذيين والرقابيين، فعلى سبيل المثال “تقارير الهيئات المتخصصة لوزارة الزراعة حول حجم الخسائر بأي سلعة من السلع الزراعية خلال فترة زمنية محددة، أكثر ترجيحًا ومصداقية من تصريحات البرلمانيين والمسؤولين التنفيذيين قريببي الصلة حول ذات الفترة الزمنية”.
كما أن تصريحات الوزير المتخصص في الملف هي الأكثر ترجيحًا من المسؤول غير المتخصص في ذات الملف.
كما لا تنفي المؤشرات بعضها البعض، فعلى سبيل المثال، إذا أعلنت الحكومة حصولها على ترتيب محدد في جودة التعليم وفقًا لأحد المؤشرات، في هذه الحالة يتوجب علينا التحقق منه باستخدام ذات المؤشر الذي أعلنته الحكومة وليس مؤشرًا آخر، ما لم يكن اختيار الحكومة للمؤشر انتقائيًا ويمكن تفنيده بواسطة أكثر من مؤشر آخر يعلنون ترتيبًا مختلفًا.
ونلتزم في “تفنيد” في مواد النفي بتوفير التطابق في الإطار الزماني والمكاني والموضوعي للادعاء، فعلى سبيل المثال، إذا فندنا بيانًا صادرًا عن وزارة المالية حول نسبة الزيادة في مخصصات الحماية الاجتماعية بموازنة العام المالي الجديد مقابل العام المالي الماضي، لا يمكن نفي نسبة الزيادة اعتمادًا على تصريحات المسؤولين، ولكن فقط من خلال الحصول على الحساب الختامي لموازنة العام المالي الماضي، واحتساب الفارق بين مخصصات الحماية الاجتماعية بالحساب الختامي مقابل مشروع الموازنة المقترح.
لماذا تهتم “تفنيد” وغيرها بتدقيق المعلومات؟
نعتقد أن التحقق من المعلومات والبيانات هو مسألة هامة وضرورية في ظل الانتشار الكبير للمعلومات الزائفة في الوقت الحالي، وهو ما يبرز الدور الهام لـ”صحافة المسائلة”.. وتعتبر “تفنيد” جزءًا من كيان أكبر وهو الشبكة العربية لمدققي المعلومات، والتي تدعم التجارب العربية الشابة المهتمة بتدقيق المعلومات وكشف الزيف، وهو الدور ذاته الذي تلعبه بشكل أوسع الشبكة الدولية لمدققي الحقائق.
التعليقات حول هذا المقال