القصة
صندوق النقد: تونس بدأت الإلغاء التدريجي للدعم الذي يساهم في إهدار الموارد
إعداد: ريمان بارود
وسط تحذيرات من خطورة رفع الدعم عن المواد الأساسية في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه تونس في الفترة الأخيرة، لا زالت الحكومة التونسية متمسكة بتصريحاتها بإنها لن ترفع الدعم، وهو ما أكّد عليه نصر الدين النصيبي، وزير التشغيل والتكوين، إذ قال “ليس لدينا أي نية لرفع الدعم”، وذلك يوم 20 أكتوبر 2022.
وكان قد سبق أن نبّه نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، من تداعيات رفع الدعم، وقال: “رفع الدعم ستكون له عواقب وخيمة، والبلاد في وضع لا تحتاج فيه لصب الزيت على النار”، وذلك على هامش المؤتمر 25 العادي للاتحاد الجهوي للشغل بقابس، يوم 9 أكتوبر 2022.
واعتبر الطبوبي أن ندرة بعض المواد الغذائية الأساسية التي تشهدها الأسواق في الوقت الراهن ليست سوى حيلة ترمي من خلالها الحكومة إلى أن تعتاد فئات من الشعب التونسي على صعوبة الحصول على هذه المواد، ثم ترفع الدعم عنها، أي تهيئة نفسية للمجتمع للزيادات.
وردًا على تصريحات الطبوبي، نفت فضيلة الرابحي وزيرة التجارة التونسية، أن تكون ندرة بعض المواد الأساسية حيلة تعتمدها الحكومة للتوجه نحو رفع الدعم، مجددة تأكيدها أنه لا نية للحكومة في ذلك.
تتبع فريق عمل “تفنيد” التصريحات السابقة، وتبيّن لنا أن جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، دعا تونس لرفع الدعم عبر بيان أعادت نشره رئاسة الحكومة التونسية، صدر في ختام زيارته لتونس، وذلك بتاريخ 22 يونيو 2022، قال فيه:
“يتعين أن تتصدى تونس على نحو عاجل للاختلالات في ماليتها العامة من خلال زيادة العدالة الضريبية، واحتواء فاتورة الأجور الكبيرة في جهاز الخدمة المدنية، وإحلال التحويلات الموجهة إلى الفقراء محل نظام الدعم المعمم، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وإصلاح شركاتها الخاسرة المملوكة للدولة للحد سريعًا من الاختلالات الاقتصادية الكبيرة وضمان استقرار الاقتصاد الكلي.”
البرنامج الوطني للإصلاحات:
وأطلقت الحكومة التونسية برنامجًا وطنيًا للإصلاحات في بداية يونيو 2022، شمل إصلاحات عديدة في مجال الصحة والمؤسسات العمومية والتجارة والطاقات المتجددة، إلى جانب إصلاح منظومة الدعم، وذلك بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى القريب.
وبحسب رئاسة الحكومة، يعد إصلاح منظومة الدعم محورًا هامًا يندرج ضمن الإصلاحات الكبرى وتتم هذه المراجعة في إطار الارتفاع الهام لتكلفة دعم المواد الأساسية الذي من المنتظر أن تبلغ خلال سنة 2022 حوالي 4.2 مليارات دينار مقابل 3.2 مليارات دينار خلال سنة 2021، وذلك بسبب تأثيرات الأزمة الروسية الأوكرانية.
وبحسب البرنامج الإصلاحي، فإن إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية يقوم على إرساء منظومة جديدة لتوجيه الدعم نحو مستحقيهـ واعتماد رفع تدريجي للأسعار على مدى 4 سنوات انطلاقًا من 2023، واعتماد مبدأ التسجيل التلقائي لتمكين كل العائلات من التمتع بالتحويلات المالية وصرف منح مالية مباشرة لصالح المستفيدين قبل الانطلاق في تنفيذ برنامج التعديل التدريجي للأسعار.
وكذلك شمل البرنامج الإصلاحي منظومة دعم المحروقات، وذلك من خلال التعديل الآلي لأسعار المحروقات من أجل وصولها للأسعار الحقيقية.
المفاوضات مع صندوق النقد:
انطلقت المفاوضات بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي مع بداية شهر يوليو 2022، وكانت توجّهت بعثة من صندوق النقد بقيادة بيورن روتر بزيارة إلى تونس العاصمة في الفترة من 4 إلى 18 يوليو لمناقشة الدعم المالي المحتمل من صندوق النقد الدولي لبرنامج السياسات والإصلاحات الاقتصادية الذي وضعته السلطات التونسية.
وكان أكّد صندوق النقد الدولي في بيانه على ضرورة احتواء النفقات العامة الجارية، والإلغاء التدريجي لدعم الطاقة عن طريق زيادات منتظمة في الأسعار، وذلك بعد انتهاء زيارة البعثة إلى تونس يوم 19 يوليو 2022.
وكان قد توصّل صندوق النقد الدولي مؤخرًا إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق مع تونس، حول برنامج مدته 48 شهرًا في إطار “تسهيل الصندوق الممدد” بقيمة بحوالي 1,9 مليار دولار لدعم السياسات الاقتصادية في تونس، ليتم عرض الاتفاق النهائي بشأن البرنامج على موافقة المجلس التنفيذي للصندوق خلال الاجتماع المقرر انعقاده لمناقشة طلب تونس في شهر ديسمبر 2022، وذلك بحسب ما جاء في بيان صندوق النقد الدولي.
وأشار البيان إلى أن تونس تسعى إلى احتواء المصروفات وإتاحة الحيز المالي اللازم لتقديم الدعم الاجتماعي، مؤكدًا أيضًا على أن السلطات التونسية اتخذت عدة خطوات لاحتواء فاتورة الأجور في قطاع الخدمة المدنية، وبدأت في الإلغاء التدريجي للدعم المعمم على الأسعار الذي يساهم في إهدار الموارد، حيث أجرت تعديلات دورية في الأسعار المحلية لربطها بالأسعار الدولية.
ومن خلال البيان الأخير لصندوق النقد الذي أكّد على أن تونس بدأت في الإلغاء التدريجي للدعم المدعم، نجد أنه يتطابق مع كلام نور الدين الطبوبي الذي اعتبر نقص المواد في الوقت الحالي ما هو إلا حيلة ترمي من خلالها الحكومة إلى تعويد فئات من الشعب التونسي على صعوبة الحصول على هذه المواد ثم رفع الدعم.
ورغم ما جاء في البيان الصادر من الجهة التي اتفقت الحكومة التونسية معها للحصول على قرض، والذي يفيد بالإلغاء التدريجي للدعم، لا زالت جهات حكومية مثل وزير التشغيل ووزيرة التجارة، تنفي نية الحكومة إلغاء الدعم واستحالة ذلك، معتبرين أن ما تقوم به الحكومة ما هو إلا إصلاح وحوكمة لمنظومة الدعم.
دعم المواد الأساسية:
وتخصص الدولة التونسية من ميزانيتها، نفقات للدعم، والدعم يشمل ثلاث قطاعات، وهي المواد الأساسية، والمحروقات، والنقل، وبحسب تقرير “نتائج تنفيذ ميزانية الدولة حتى يونيو 2022“، نجد أن المحروقات تحصل على أعلى دعم وذلك بنسبة 67%، والمواد الأساسية 18.9%، أما النقل فكان دعمه بنسبة 14.1%.
ودعم المواد الأساسية يعني أن تقوم الدولة التونسية بتعويض الفرق بين أسعار تكلفة المواد الأساسية الحقيقية، وبين أسعار استهلاكها عبر الصندوق العام للتعويض، أو الدعم الشامل للسلع.
وبحسب وزارة التجارة تشمل منظومة الدعم كل من (الحبوب، والحليب، والزيت النباتي، والسكر، والورق المدرس، والعجين الغذائي، ومواد أخرى).
وبحسب وزارة التجارة، تطورت نفقات الدعم منذ عام 2015 حتى 2022، وهي في ازدياد متواصل، فبعد أن كانت تبلغ 1.53 مليار دينار في عام 2015، أصبحت الآن تصل إلى 3.771 مليارات دينار، تزامنًا مع أزمة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية.
ومع ارتفاع نفقات الدعم للمواد الأساسية خلال السنوات السابقة، زادت أسعار المواد الأساسية، بينما استطاعت بعض المواد الحفاظ على نفس السعر طيلة الـ10 سنوات الماضية مثل: الزيت النباتي المعبأ والعجين الغذائي، في حين هناك بعض المواد شهدت بعض الزيادات الطفيفة مثل: السكر والحليب.
مستحقات مالية متأخرة:
وبالرغم من أن الحكومة لم ترفع أسعار المواد المدعّمة، إلا أنها تأخرت في دفع مستحقاتها لدعم بعض المواد الأساسية، ومنها:
-
مستحقات دعم صناعة الخبز:
- بحسب اتحاد عمال المخابز في تونس، فإن الحكومة لم تدفع مستحقات الدعم منذ 14 شهرًا والتي تقدّر بـ250 مليون دينارًا، وبناء على ذلك أضرب أصحاب المخابز وأغلقوا مخابزهم بداية من يوم 19 أكتوبر 2022، وذلك للضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم ودفع مستحقاتهم، وإلا أنها علّقت إضرابها بعد يوم واحد وذلك بعد أن توصلت الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز إلى اتفاق مع الحكومة لدفع مستحقات 4 شهور، والتي سيتم دفعها على مراحل، وذلك بحسب يحيى موسى، نائب رئيس غرفة أصحاب المخابز.
-
مستحقات دعم الحليب:
تعاني مصانع الحليب في تونس من وضعية مالية حرجة، خاصة وأن الدولة لم تدفع مستحقات المصانع منذ أكثر من 16 شهرًا، بما يُعادل 320 مليون دينارًا، وذلك بحسب نافع النيفر، عضو الهيئة المديرة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات. وكان قد سبق أن صرّح علي الكلابي، نائب رئيس الغرفة الوطنية لمُصنعي الحليب لراديو جوهرة أف أم، يوم 5 أغسطس 2022، بإن الحكومة لم تدفع المستحقات منذ 13 شهرًا والتي بلغت 260 مليون دينارًا.
وبحسب منظمة تونس تنتج، فقد تسبب عدم دفع المستحقات إلى جانب مشاكل أخرى في القطاع إلى تراجع الإنتاج، مما أدى إلى نقص الحليب في الأسواق التونسية، وتسبب في أزمة كبيرة نتج عنها انقطاع الحليب لأيام إلى جانب قيام بعض التجار برفع أسعاره.
وتوالت العديد من الأزمات الاقتصادية في تونس خلال الفترة الأخيرة، منها نقص السكر والقهوة والأرز لفترات طويلة، والتي أدت إلى ارتفاع الأسعار إلى الضعف، ولم يتعافى الشارع التونسي بعد من هذه الأزمات، فسرعان ما تعود إلى الواجهة مرة أخرى، وآخر أزمة كانت تتعلق بنقص المحروقات، جدير بالذكر أنه منذ بداية العام الجاري، رفعت تونس أسعار المحروقات في 4 مناسبات سابقة، كانت الأولى في الأول من فبراير ، والثانية في الأول من مارس، والثالثة فكانت في 14 أبريل، أما الأخيرة فكانت في 18 سبتمبر2022.
التعليقات حول هذا المقال