القصة
” الزيادة السكانية تمثل خطرا على الاقتصاد القومى، وعلى الفرد من قبل، حيث تساهم في تقليل نصيب الفرد من الناتج القومى، وتنعكس على نتائج المشروعات القومية التي تتم على أرض الواقع، ومن أبرز الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر“.. هذا ما قاله النائب عبد الباسط الشرقاوي، عضو مجلس النواب، خلال الجلسة العامة لمجلس النواب يوم 21 يونيو 2021.
لم يكن ما طرحه النائب عبد الباسط الشرقاوي وليد اللحظة أو من بنات أفكاره، فلقد تبنت الأنظمة السياسية المصرية المتعاقبة منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نظرية تفيد بأن “الزيادة السكانية تحرق اقتصاديات الدول وتمثل أهم المخاطر عليها وتحرم المواطن من ثمار التنمية“.. لكن من هو أول من أسس لتلك النظرية وهل هي نظرية صحيحة؟
من أول من أسس للنظرية؟
”توماس روبرت مالتوس“، اقتصادي انجليزي، من مواليد عام 1766، بدأ حياته المهنية قسيسًا في كنيسة أنجليكانية، ثم تحول إلى تدريس التاريخ والاقتصاد السياسي والبحث في مجال علم السكان، وهو أول مؤسس للنظرية التي اشتهرت بالنظرية “المالتوسية” نسبة إليه، والتي حاولت تفسير ظاهرة تنامي الفقر ومشكلاته في العالم بتزايد أعداد السكان ونموها بمعدلات تفوق معدلات نمو المحاصيل الزراعية، مما سيؤدي الى اختلال التوازن.
”عبد الناصر“ مؤسس فلسفة تنظيم الأسرة في مصر
وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو أول من أسس لنظرية إضرار الزيادة السكانية بالاقتصاد القومي في الواقع المصري، وذلك في خطابه بمناسبة عيد النصر ببورسعيد في 21 ديسمبر 1965، إذ قال: “إحنا مهددين مع زيادة الاستهلاك إن النجاح اللى بنعمله بيتاكل، دى المشكلة، وربنا يهدينا ونقلل الزيادة فى السكان شوية، يعنى دى مع دى تمشى، أما العمل بس حيتعبنا“.
وأنشأ عبد الناصر المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، وأسند رئاسته إلى رئيس مجلس الوزراء عام 1965، للتركيز على سياسات تحديد النسل، وفي عام 1972 عدّلَ الرئيس الراحل محمد أنور السادات القرار ليكون المجلس تحت رئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء.
”السادات“.. زيادة المواليد تؤثر على المرافق والتعليم والبطالة
الأمر ذاته اشتبك معه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فقال: زيادة السكان عندنا مازالت تسجل معدلا شديد الارتفاع، وحين نقول إننا نستقبل كل سنة مليون نسمة زيادة، فإننا نستقبل تلك الزيادة بالطبع فى استخدام المرافق، وفى مصاريف الدراسة، وفى تشغيل الخريجين من المدارس والمعاهد والجامعات.
”مبارك“ الزيادة السكانية هي التحدي الأكبر
أما الرئيس الراحل محمد حسني مبارك فاتهم مرارا وتكرارا الزيادة السكانية بأنها تمثل التحدي الأكبر الذي يواجه مصر وأنها تلتهم النمو الاقتصادي والتنمية وتساهم في ازدحام الطرق ومشكلات المرور والمواصلات والعشوائيات وتؤثر تأثيرا سلبيا علي نصيب الفرد من الانفاق على التعليم والرعاية الصحية والإسكان ونصيبه من المياه والأراضي الزراعية.
”السيسي“.. الأحوال لا تتحسن إلا بتناسب النمو السكاني مع القدرة الاقتصادية
الرئيس عبد الفتاح السيسي، أيضا سار على نهج سابقيه، فقال: هو انتم مش في 2011 عملتوا ثورة وخرجتوا تحسنوا من أحوالكم؟ كان مفروض الناس تعرف الأحوال مش بتتحسن إلا لما معدل النمو السكاني يتناسب مع قدراتنا الاقتصادية.
وأضاف: والله انتم بتحملوا نفسكم وأولادكم والدولة أمر فوق طاقتها، وترجعوا تثوروا وتخرجوا في الشوارع تهدوا بلادكم، ويفضل المسلسل شغال خراب في خراب.
دول وحكومات حطمت النظرية
على العكس تمامًا من النظرية ”المالتوسية” التي آمن ونادى بها الرؤساء المصريين، نجحت عدد من الدول منها الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا والفلبين في تحقيق استفادة قصوى لاقتصاداتها من ثرواتها السكانية المتزايدة.
وعلى الرغم من أنها من أكبر الدول سكانًا في العالم، إلا أن حكوماتها لم تنظر لمواردها البشرية كعائق يجب التخلص منه، بل استفادت من سكانها في رفع معدل التنمية بها، لتتحول في غضون سنوات قليلة من دول فقيرة إلى دول ذات نمو اقتصادي مرتفع.
الصين
وأصبح الانخفاض في معدل المواليد أحد أكثر الموضوعات التي تحاول الصين معالجتها، وأوقفت قبل خمس سنوات سياسة الطفل الواحد، حيث كان هناك أمل بأن يقوم الأزواج بإنجاب طفل ثانٍ ما سيساعد في إبطاء وتيرة شيخوخة المجتمع، ولكن القرار لم يفلح في تحقيق هدفه.
واستفادت الصين لسنواتٍ من الأرباح الديموغرافية التي تمثلت في عدد سكان هائل (نحو خُمس عدد سكان العالم) شكّل مصدراً كبيراً للقوى العاملة وغذت النمو الاقتصادي المتسارع، الذي بدأ يختفي سريعًا بفعل سياسة الطفل الواحد.
في خطوة ترمي لحلّ المشكلة، أعلنت الصين منذ أسابيع دعمها الأزواج الراغبين في إنجاب طفل ثالث، وفقاً لما جاء في اجتماع للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
الهند
الهند، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بعدد يتجاوز مليارا و353 مليون نسمة، تصنف الآن على أنها صاحبة أقوى خامس اقتصاد في العالم، بل وأزاحت بريطانيا إلى المركز السادس.
ويقدّم كتاب “الهند ما بعد العام 2020” الصادر هذا العام عن مؤسّسة الفكر العربي في بيروت، مسيرة النموّ في الهند في القرن الحادي والعشرين وتحدّياته، والفرص الجديدة والتكنولوجيّات الناشئة، التي تجعل النموّ أكثر سرعة وشمولًا، وأبرز مسألة ارتباط الثروة السكانية بقوة الاقتصاد.
الفلبين
وبحسب البنك الدولي، تأتي الفلبين في المركز الرابع عالميا بالنسبة لحجم التحويلات النقدية، ووفقا لآخر التقديرات فقد بلغت التحويلات النقدية من الفلبينيين العاملين في الخارج أكثر من 20.1 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 8.9% من حجم الاقتصاد الفلبيني.
البرازيل
وفي البرازيل التي يقدر عدد سكانها ب 191 مليون نسمة بزيادة 1% سنويا في عدد السكان وكانت ديونها 151 مليار دولار حتى نهاية التسعينيات أصبحت الآن أهم نمر اقتصادي في أمريكا اللاتينية بمعدل نمو اقتصادي 5،4% وناتج محلي إجمالي 1،8 تريليون دولار وصادرات 160 بليون دولار.
لم يحدث أن أعاقت الزيادة السكانية عملية التقدم الاقتصادي بل على العكس تم توظيف هذه الزيادة عبر برامج التنمية الاقتصادية والبشرية.
إندونيسيا
وعلى الرغم من أن إندونيسيا تحتل المركز الرابع عالمياً في عدد السكان بنحو 266.9 مليون نسمة بنهاية العام الماضي، إلا أن إندونيسيا أحد الأعضاء المؤسسين للأسيان وعضوًا في مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسة، والاقتصاد الإندونيسي هو الـ18 عالميًّا من حيث الناتج المحلي الإجمالي الأسمى، وتأتي في المرتبة 15 من حيث القوة الشرائية عالمياً.
التعليقات حول هذا المقال