البلد
: تونسالقصة
كتب- عبير بالريش
فترة “حرجة” يمر بها قطاع الحبوب في تونس، شهد الاقتصاد تداعياتها على مدار سنة كاملة، وكان تأثيرها بارزا في الحياة اليومية للعائلات، من خلال غياب بعض المواد الاستهلاكية كالدقيق والخبز.. في هذا التقرير نقدم رؤية شاملة حول قطاع الحبوب في تونس عبر توفير بيانات تطور إنتاج الحبوب والخطط التنموية المستقبلية.
المساحات المخصصة لقطاع الحبوب:
تغيرت المساحة المخصصة لزراعة الحبوب منذ سنة 1991 حتى 2023 بنسب متفاوتة، حسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء، حيث بلغت أقصاها سنة 2024 بمليون و642 ألف هكتارًا، وأدناها سنة 1996 بمليون و126 ألف هكتارًا، ويخصص الجزء الأكبر من المساحة لزراعة القمح الصلب والشعير ثم القمح اللين والتريتيكال.
وبالعودة إلى نشرة المرصد الوطني للفلاحة حول تقدم موسم الزراعات الكبرى، نجد أن الحكومة خصصت في سنة 2023 مساحة مليون و248 ألف هكتارًا لزراعة الحبوب، منها 615 ألف هكتارًا لزراعة القمح الصلب، و567 ألف هكتارًا لزراعة الشعير، و56 ألف هكتارًا للقمح اللين، و10 آلاف هكتار للتريتيكال.
ورغم أن المساحات المخصصة لزراعة الحبوب كانت تتغير في كل سنة على مدى أكثر من 30 عامًا، إلا أن الأرقام لم تكن متفاوتة بشكل كبير، ولم تتخذ منحى واحد تصاعدي أو تنازلي، وإنما كانت ترتفع مرة و تنخفض أخرى.
هل للمساحات المزروعة تأثير على كميات الإنتاج؟
للإجابة على هذا السؤال عدنا إلى أرقام ديوان الحبوب حول إنتاج الحبوب خلال ذات المدة (من 1991 إلى 2023)، وتبين أن أعلى أرقام الإنتاج سجلت سنة 1991 بـ13 مليونًا و415 ألف قنطارًا، موزعة بين 7 ملايين و724 ألف قنطارًا من القمح الصلب، و2 مليون و916 ألف قنطارًا شعير، و2 مليون و281 ألف قنطارًا قمح لين، و494 ألف قنطارًا تريتيكال.
في حين سجل أدنى إنتاج سنة 2002 بـ2 مليون و519 ألف قنطارًا، موزعة بين 2 مليون و173 ألف قنطارًا قمح صلب، و43 ألف قنطارًا شعير، و300 ألف قنطار قمح لين، و3 آلاف قنطار تريتيكال.
وعبر هذه المعطيات المقدمة، نستخلص أن تراجع الإنتاج في قطاع الحبـوب في تونس ليس متعلقا بالمساحة المزروعة، فسنة 1991 عند تسجيل أعلى كمية إنتاج كانت المساحة المزروعة مليون و72 ألف هكتارًا، في حين عند تسجيل أدنى مستوى إنتاج سنة 2002 كانت المساحة المخصصة للحبوب مليون و160 ألف هكتارًا، وبالتالي هذا التراجع يعود إلى عوامل أخرى.
أسباب تراجع الكميات المجمعة:
ويعود تراجع إنتاج الحـبوب في تونس خلال المواسم الأخيرة، بحسب وزارة الفلاحة، لأسباب مناخية، إذ تواجه زراعة الحبوب في تونس تحديا كبيرا يكمن في انخفاض تساقطات الأمطار خاصة في الموسم الأخير، حيث وصلت مستويات تعبئة السدود لنسب غير مسبوقة، وبلغت أدناها يوم 22 نوفمبر 2023 بنسبة 22.1% مقابل 38.8% في ذات الفترة من سنة 2020.
وانتقلت تداعيات أزمة الجفاف إلى الأسواق المحلية، من حيث عدم توفر كميات كافية من القمح، وأعلنت وزارة الفلاحة يوم 21 يوليو 2023 خلال ندوة صحفية، نقلتها القناة “الوطنية الأولى”، تراجع إنتاج الحـبوب في تونس بنحو 60% بسبب الجفاف.
وبحسب أرقام صادرة عن ديوان الحـبوب، نقلتها عدد من وسائل الإعلام ومنها وكالة الأناضول وموقع العربي الجديد، يبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 ملايين طن، منها 1.2 مليون طن من كل من القمح الصلب واللّين، ومليون طن من الشعير.
كما صدر عن الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بصفاقس، أن الفرد في تونس يستهلك 250 كيلوجراما من الحبوب سنويا، وبالتالي لا تحقق تونس اكتفائها الذاتي من الحـبوب، ومن وهنا وجدت الحكومة التونسية أن الحل يكمن في اللجوء إلى الاستيراد.
ونلاحظ أن كمية الحبوب المستوردة حسب معطيات ديوان الحبـوب، ارتفعت إلى مليون و544 ألف طنًا سنة 2005، ثم 2 مليون و387 ألف طنًا في 2022.
أما بالنسبة للسنة الحالية، فبالعودة إلى النشرة الإحصائية الأخيرة لمعهد الإحصاء، نجد أنه تم استيراد 649.2 ألف طنًا من القمح الصلب، و863.7 ألف طنًا من القمح اللين، و632.5 ألف طنًا من الشعير في التسعة أشهر الأولى من 2023، بإجمالي 2 مليون و145 ألف طنًا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثنائية عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي والتعويل على الاستيراد أثرت بشكل كبير على الأسواق المحلية، وأدت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار الحبوب.
فنجد أن سعر القمح الصلب ارتفع من 40 دينارا للقنطار الواحد سنة 2008 إلى 90 دينارا سنة 2023، وكذلك القمح اللين تضاعف سعره في ذات الفترة فكان ثمنه 35 دينارا للقنطار وأصبح 70 دينارا أما الشعير و التريتيكال فكان سعرهم 30 دينارا سنة 2008 ليصبح 55 دينارا سنة 2023.
هذه المتغيرات خلقت حالة من الاحتقان في صفوف المواطنين وغضبا في الشارع التونسي لغياب بعض المواد أو ارتفاع أسعارها أهمها الدقيق و الخبز. فشهدت تونس طوابير طويلة أمام المخابز والمحلات التجارية تدوم لساعات على أمل الحصول على هذه المواد.
كل هذا دفع الحكومة إلى اتخاذ جملة من الإجراءات والقرارات المتعلقة بقطاع الحـبوب والتي صدرت في المخطط التنموي 2023 – 2025 وفي مشروع قانون المالية 2024 أهمها دعم بذور الحبوب الممتازة عن طريق ديوان الحبـوب بكلفة 25 مليون دينارًا، وتكفل الدولة بتكوين مخزون احتياطي من بذور الحبوب بكلفة 3.2 ملايين دينار، وإنجاز بعض التدخلات عن طريق ديوان الحبوب في إطار المشروعين الممولين من طرف البنك الإفريقي، كما سيتم دعم صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية لتقديم تعويضات الفلاحين المتضررين من الجوائح الطبيعية بكلفة 30 مليون دينارًا.
أيضا تسعى الحكومة إلى إيجاد حلول تنموية مستقبلية، فحسب بلاغ لوزارة الفلاحة صدر يوم 18 يوليو 2023، أكّد وزير الفلاحة وجود فريق عمل متعدد الاختصاصات يعمل على تثمين نتائج البحث العلمي في قطاع الحـبوب بهدف إيجاد مستنبطات تتماشى والشح المائي وتهدف إلى رفع الإنتاجية والنهوض بقطاع الحبوب في ظل الوضعية المالية الحالية لتونس والحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من صعوبة في استيراد القمح.
كما صرح وزير الفلاحة في لقاء مع سفيرة المملكة المتحدة بتونس يوم 16 نوفمبر 2023، بتوجه الوزارة نحو تركيز محطات تحلية مياه البحر لمجابهة ظاهرة انحباس الأمطار والعمل على تعزيز استعمالات المياه المستعملة المعالجة في الري.
ومن جهته أكّد البنك المركزي التونسي على ضرورة تشجيع الإنتاج المحلي للحبوب من خلال تدعيم الفلاحين وتعزيز الإرشاد الفلاحي.
ورغم أزمة التزود بالخبز والفرينة والسميد التي تعاني منها تونس ومخاوف اختلال الأمن الغذائي للبلاد، إلا أنه وفق بيان الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بصفاقس، تصل كمية الخبز التي يتم تبذيرها يوميا من قبل المواطنين التونسيين إلى 900 ألف رغيف خبز بكلفة سنوية تقارب 100 مليون دينار.
المصادر
معهد الإحصاء | تصفح |
المرصد الوطني للفلاحة | تصفح تصفح تصفح |
ديوان الحبوب | تصفح تصفح |
وزارة الفلاحة | تصفح |
القناة الوطنية | تصفح |
وكالة الأناضول | تصفح |
موقع العربي الجديد | تصفح |
الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بصفاقس | تصفح |
ديوان الحبوب | تصفح |
معهد الإحصاء | تصفح |
وزارة الاقتصاد | تصفح |
وزارة المالية | تصفح |
وزارة الفلاحة | تصفح تصفح |
التعليقات حول هذا المقال