البلد
: تونسالقصة
كتبت: ريمان بارود
نشرت وزارة الفلاحة التونسية مؤخرا، تقريرًا للميزان الاقتصادي في كل من قطاع الفلاحة والصيد البحري، وكان يغلب على التقرير 3 مفاهيم وهي “التحسن، والتطور، والاستقرار”.
تتبعنا في “تفنيد” التقرير وأرقامه لرصد تطور هذه القطاعات خلال آخر 5 سنوات من 2019 حتى 2024، وهي فترة حكم الرئيس قيس سعيد الأولى، وتبين معنا التالي:
هل شهد إنتاج الحبوب تحسن هام؟
من خلال ما أرفقته وزارة الفلاحة في تقريرها، نجد أن إنتاج الحبوب للموسم الحالي سجّل “ارتفاعًا هامًا”، حيث بلغ 11.5 مليون قنطارًا، مقابل 5.39 ملايين قنطار خلال الموسم السابق.
ولكن بالمقارنة بالسنوات الأربع السابقة، نجد أن الإنتاج تراجع بشكل كبير، حيث بلغ 23.9 مليون قنطارًا في 2019، وانخفض في عام انتشار “كوفيد” ليبلغ 15.3 مليون قنطارًا، ليعود الارتفاع تدريجيا في 2021 و2022، حتى انخفض بشكل كبير في عام 2023.
ولذلك فهذا “التحسن الهام” الذي تراه الوزارة يبقى أقل من المتوسط العام لإنتاج الحبوب (18 مليون قنطارًا) خلال آخر 5 سنوات، كما يعتبر انخفاضا كبيرا مقارنة بالأعوام السابقة باستثناء عام 2023.
ولمزيد من الثبت، رجعنا إلى سنوات سابقة أكثر، وبحسب منشور على موقع وزارة الفلاحة تبّين أن إنتاج 2023 و2024 هما الأدنى منذ 10 سنوات.
وإذا أردنا التوسع أكثر نجد حسب بوابة بيانات معهد الإحصاء، أنهما أيضا الأقل منذ 20 عاما، باستثناء عام الثورة التونسية في 2010، حيث بلغ الإنتاج وقتها 10 ملايين طن.
هل هناك استقرار في إنتاج الألبان؟
بحسب ما جاء في تقرير الوزارة فإن إنتاج الألبان شهد “استقرارا” رغم الظروف المناخية الصعبة، حيث بلغ 1224 مليون لترًا خلال عام 2024، وهو ذات الإنتاج في 2023.
ومن جهة أخرى ومن خلال تتبع الرسم البياني المرفق أيضا في التقرير، نجد أن إنتاج الألبان شهد انخفاضا كبيرا بعد 2021، حيث بلغ حينها 1462 مليون لترًا، أي بفارق أكثر من 200 مليون لتر، وهذا الإنتاج يكون أقل من المتوسط العام للإنتاج (1363 مليون لترًا) خلال الـ5 سنوات الأخيرة.
بحثنا أكثر فوجدنا في التقارير الشهرية لمرصد الفلاحة، أن إنتاج الألبان كان 1310 ملايين لتر في 2018، في حين بلغ 1414 مليون لترًا في 2017، أي أن الإنتاج خلال 2023 و2024 تراجع بشكل كبير عن معدلاته الطبيعية في آخر سنوات.
أما في قاعدة بيانات معهد الإحصاء فوجدنا أرقامًا فقط حتى 2014، وتبيّن أن الإنتاج في تلك الفترة لم يتجاوز 1217 مليون لترًا، وكلما رجعنا بالوقت إلى الخلف في السنوات، نلاحظ أن الإنتاج كان يرتفع تدريجيا، إلا أنه عاد للانهيار تدريجيا بداية من 2022، والذي اعتبرته وزارة الفلاحة “استقرارا”.
هل هناك استقرار في إنتاج اللحوم؟
أولا: اللحوم البيضاء:
بحسب التقرير فإن من المرتقب أن يبلغ إنتاج اللحوم البيضاء صافية حوالي 241 ألف طنًا خلال 2024، مسجلا تطورا 2% مقارنة بـ2023.
ولتتبع إنتاج اللحوم البيضاء، رجعنا إلى قاعدة بيانات معهد الإحصاء، ووجدنا أنها شهدت تطورا جيدا وتدريجيا على مستوى الإنتاج خلال السنوات الأخيرة، وكان كالتالي:
ثانيا: اللحوم الحمراء:
بحسب التقرير فإن إنتاج اللحوم الحمراء لسنة 2024 حافظ على ذات الإنتاج لسنة 2023، بمعدل 108 آلاف طن، ولاحظنا أن التقرير لم يقارن الإنتاج مع سنوات سابقة، لذا عدنا إلى قاعدة معهد الإحصاء، ووجدنا أن سنتي 2023 و2024 شهدتا تراجعا ضخما في إنتاج اللحوم الحمراء بنسبة تصل إلى 70% مقارنة بـ2022.
وبالرجوع إلى سنوات أكثر وجدنا أن إنتاج اللحوم الحمراء في عام 2010 بلغ 319 ألف طنًا، وعلى مدار أكثر من 20 عامًا كان متوسط الإنتاج في حدود 345 ألف طنًا، ففي عام 2004 وصل الإنتاج إلى 404 آلاف طن (باحتساب لحم الخنزير)، حيث كان يتم إنتاجه قبل عام 2010، ولكن تم منعه فيما بعد بدعوى نقله لفيروسات.
وبررّت وزارة الفلاحة التراجع الكبير في إنتاج اللحوم الحمراء، بسبب تراجع القطيع بنسبة 30% إلى جانب الجفاف وغلاء الأعلاف.
مما سبق نلاحظ أن الفترات التي انخفض فيها إنتاج اللحوم الحمراء بشكل كبير، ارتفع بالمقابل إنتاج اللحوم البيضاء، وذلك من أجل تعويض احتياجات السوق التونسية من اللحوم.
هل تطور إنتاج زيتون الزيت؟
بحسب تقرير وزارة الفلاحة فإن إنتاج زيتون الزيت للموسم الفلاحي 2023 - 2024 بلغ 1.1 مليون طن، بإنتاج 220 ألف طنًا زيت زيتون، مقابل 1.08 مليون طن زيتون و217 ألف طنًا زيت لموسم 2022 - 2023.
من خلال الأرقام لاحظنا أن هناك تطورًا طفيفًا سواء من حيث إنتاج الزيتون وزيت الزيتون.
تتبعنا التقارير التي نشرها المرصد الوطني للفلاحة بشكل دوري لـ12 موسم سابقين، وتبين أن أعلى إنتاج للزيت كان خلال موسم 2019 - 2020، وهو 350 ألف طنًا زيت، بمعدل 1.77 مليون طن زيتون، يليه موسم 2017 - 2018 بإنتاج 350 ألف طنًا زيتون.
وكان أقل إنتاج للزيت خلال تلك الفترة في موسم 2013 - 2014 بـ70 ألف طنًا زيت، حيث لم يتجاوز إنتاج الزيتون وقتها 370 ألف طنًا.
ومن خلال الرسم البياني السابق، نلاحظ أن هناك تذبذب في إنتاج الزيتون والزيت، وكان هناك تراجع خلال موسم 2020 - 2021 والذي تزامن مع جائحة كوفيد 19، إلا أنه استعاد عافيته في موسم 2021 - 2022 ليتم إنتاج 1.2 مليون طن زيتون و240 ألف طنًا زيت، لكن سرعان ما تراجع مرة أخرى.
وبحساب المتوسط لآخر 5 مواسم نجد أن إنتاج الزيتون لهذا الموسم يقع ضمن المعدل الطبيعي (1.15 مليون طن) في حين إنتاج الزيت فهو أقل من المتوسط (233 ألف طنًا) بفارق بسيط.
هل تحسن الميزان التجاري الغذائي؟
بحسب تقرير وزارة الفلاحة، فإن الميزان التجاري الغذائي سجّل فائضا 1762 مليون دينارًا خلال التسع شهور الأولى، مقابل عجز 211.4 مليونًا حققه الميزان في 2023.
وأرجعت الوزارة في تقريرها السبب إلى ارتفاع الصادرات بنسبة 31.5% وتراجع الواردات 12.5%.
وحتى آخر تحديث سجل الميزان فائضا 1347 مليون دينارًا خلال الـ11 شهرا الأولى من 2024، ومن خلال تتبع الميزان التجاري الغذائي، لاحظنا أن هذا الفائض يعتبر الأول منذ 10 أعوام.
ومن خلال الرجوع لقاعدة بيانات المرصد الوطني للفلاحة وجدنا أن هناك سنوات حققت فيها تونس فائضًا بالميزان التجاري الغذائي، خلال أعوام 2009 و2006 و2005 و2004.
هل هناك استقرار نسبي في الاستثمارات الفلاحية؟
من خلال ما أرفقته وزارة الفلاحة في تقريرها، نجد أن هناك تراجع على مستوى الاستثمارات الفلاحية الخاصة، وفي المقابل هناك ارتفاع بالاستثمارات العمومية الفلاحية خاصة خلال آخر عامين، وأرجعت ذلك إلى "تواتر سنوات الجفاف وبروز عوامل مناخية غير ملائمة".
وبناء على الرسم البياني، نجد أنه في 2019 كان إجمالي الاستثمارات 1347 مليون دينارًا، شكّلت الاستثمارات الخاصة منها 793 مليون دينارًا، إلا أنه في 2024 تقدّر الاستثمارات بـ1254 مليون دينارًا منها 552 مليون دينار استثمار خاص، في حين العمومي وصل إلى 702 مليون دينار.
ويعتبر عام 2022 هو الأكثر خلال 5 سنوات من حيث الاستثمارات الفلاحية حيث بلغت 1392 مليون دينار، وأيضا تفوقت الخاصة على العمومية.
الخلاصة:
استخدمت وزارة الفلاحة في تقريرها مفاهيم مثل (التحسن، والتطور والاستقرار) لإعطاء صورة إيجابية عن الوضع الفلاحي خلال عام 2024، ولكنها تغافلت عن توضيح أن الأرقام متراجعة مقارنة بالسنوات السابقة باستثناء العام الماضي، فشهد قطاع الحبوب والألبان تراجعًا كبيرا جدا، وقطاع اللحوم أقل مما كان عليه قبل الثورة، ويعتبر إنتاج الزيتون والزيت خلال موسم 2023 - 2024، هو ذاته إنتاج 2012 - 2013.
وسجّل الميزان التجاري الغذائي خلال الأشهر الـ11 الأولى من 2024 فائضا لأول مرة منذ 2010، بسبب الارتفاع الكبير في الصادرات الغذائية، مقابل تراجع مقتنيات البلاد من هذا القطاع، وهو الفائض المكرر في سنوات (2009 و2006 و2005 و2004).
وفيما يخص الاستثمارات الفلاحية، لاحظنا أن الوزارة من أجل تحقيق "الاستقرار النسبي" زادت في اعتماد الاستثمارات العمومية بعد تراجع الاستثمارات الخاصة.
التعليقات حول هذا المقال