19 تصريحًا رسميًا في مصر خلال شهرين حول سد النهضة متضاربة وتحمل معلومات مضللة.. ما الهدف؟
تصريحات متضاربة في المضمون والرسالة والأهداف أطلقها مسؤولون مصريون حول تأثير الملء الثاني لسد النهضة على مصر.
تضارب التصريحات لم يكن الملمح الوحيد في تحليل الخطاب الرسمي للحكومة وإنما احتوائها على بيانات تُصنف في إطار التضليل وأخرى تصنف كإثارة وهو ما لفت انتباه فريق عملنا في ”تفنيد“ فقمنا بجمع أبرز تصريحات المسؤولين المصريين خلال ذُروة تصاعد السجال الإعلامي والدبلوماسي بين مصر وإثيوبيا، حول الملء الثاني للسد.
رصد فريق عملنا 19 تصريحًا خلال 60 يومًا بدءًا من السابع من أبريل وحتى السابع من يونيو هم الأبرز والأكثر تداولًا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعي الصحافة الاكترونية في مصر وفقًا لإحصائيات مشاهدات ونشر تلك التصريحات.
قمنا بتفنيد تلك التصريحات فوجدنا أنها تنقسم إلى 3 تصنيفات من حيث دقتها إذ وجد فريق عملنا أن 4 تصريحات منها كانت صحيحة بشكل كامل في محتواها بينما تضمن 14 تصريحًا بيانات ومعلومات متضاربة بعضها يهدف للإثارة فيما وجدنا تصريح واحد مضلل.
وبالتحليل الكيفي للتصريحات المرصودة وجدنا أنها تنقسم إلى 4 أقسام من حيث الرسالة قسمناها على النحو التالي.
أزمة مائية كًبرى
إذ رصد فريق عملنا 8 تصريحات على لسان وزير الري والمتحدث الرسمي باسم الوزارة تضمنت مجموعة رئيسية من المضامين، تركزت حول أن مصر تعاني من عجز يصل إلى 90% فى الموارد المائية وأن الملء الثاني للسد الإثيوبي كارثة على المدى البعيد وأن الصدمة المرتقبة ستتزايد.
إذا تزامن الملء الثاني مع موسم جفاف خاصة وأن مصر تعد واحدة من أكثر دول العالم التى تعانى من الشح المائى.
لم يكن تحليل مضمون تلك التصريحات بالسهولة الكافية دون مقارنتها بالقسم الثاني من التصريحات والتي قدمت مضامين عكسية.
أيها المواطنون: لن تشعروا بالأزمة
رصد فريق عملنا 6 تصريحات أدلى بها وزيري الري والخارجية والمتحدث الرسمي لوزارة الري ووكيل الوزارة، تضمنت مجموعة من المضامين المغايرة حول الملء الثاني للسد، والتي تركزت حول طمأنة المواطنين، بأنهم لن يشعروا بتأثيرات الملء الثاني لسد النهضة وأنه لن يؤثر على مصالح مصر المائية وأن مصر لن يحدث بها أزمة مياه تحت أي ظرف لان الدولة المصرية لن تقبل بحدوث ذلك أبدًا.
وبمقارنة المجموعة الأولى من التصريحات مع المجموعة الثانية فإن ثمة تضاربًا واضحًا بين المجموعتين إذ تهدف المجموعة الأولى لتضخيم الأزمة في وسائل الإعلام بينما تهدف المجموعة الأخرى لطمأنة الجمهور وإظهار الحكومة في مظهر المسيطر على الأمور.
إجراءات تقشفية لازمة
ورصد فريق عملنا 4 تصريحات أدلى بها وزير الري والمتحدث باسم الوزارة، تركزت جميعها حول الإجراءات التي تم اتخذتها لمواجهة الملء الثاني للسد، والمتمثلة في تحسين نوعية المياه، وتعظيم كفاءة استخدام المياه، وتقوية البنية التحتية للترع ومنظومة الري، والتوسع في إعادة استخدام مياة الصرف الزراعي، وتعظيم الاستفادة من مياة الأمطار.
وهي التصريحات التمهيدية لإجراءات تعمل الحكومة على تنفيذها منها تقليل كميات المياة الخاصة بالري، وإلزام جميع المزارعين باستخدام منظومة الري الحديثة وتقليل مساحات زراعة عدد من المحاصيل التي تستخدم المياة بكثرة مثل الأرز.
تلك التصريحات كانت تهدف لشرح إجراءات جديدة بدأت الوزارة في تطبيقها قد تؤثر على شكل منظومة الزراعة في مصر في ظل أزمة سد النهضة، وهو ما يتضارب مع التصريحات التي حاول فيها المسؤولون طمأنة الجمهور بأنهم لن يشعروا بتأثيرات الملء الثاني للسد.
الثورة هي السبب
أما الرسالة الرابعة التي قمنا بتحليلها من تصريحات المسؤولين فهي تخفيف المسؤولية السياسية عن النظام الحالي بشأن أزمة المياة، إذ أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أن ثورة الخامس والعشرون من يناير كانت بداية رحلة الخوف من أزمة سد النهضة.
وهو ما تداولته العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي موجهة اللوم للثورة كسبب رئيسي في الأزمة، إلا أن تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي كان يحتوي على تضليل.
إذ بتتبع مسار الخطوات التنفيذية لمشروع سد النهضة فإن الخطوة الأولى قد بدأت عام 2009 ببدء إثيوبيا مسحًا جيولوجيًا لمنطقة السد لإعداد الدراسة الفنية التنفيذية اللازمة.
وقد رصد فريق عملنا 25 محطة قامت إثيوبيا خلالها ببناء السد وتطويره، 6 منها كانت في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك قبل ثورة يناير، واثنان منها كانت في عهد المجلس العسكري عقب ثورة يناير، وخطوة واحدة في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي و 16 خطوة تمت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي أبرزها توقيع مصر على أول اتفاقية خاصة بالموافقة على بناء السد.
تصريحات المسؤولين خلال آخر شهرين حول سد النهضة، لم تتطرق إلى آليات واضحة لوقف القرارات الأحادية من جانب إثيوبيا في ملء السد، وإنما ركزت على تضخيم الأزمة تارة، ثم محاولة طمأنة الجمهور تارة، والتمهيد لإجراءات تقشفية في ملف المياة تارة أخرى، ثم محاولة تخفيف المسؤولية السياسية عن النظام الحالي فيما يخص أزمة المياة.