شائعات “غير صحيحة” تحيط باعتداء جربة في تونس.. نرصدها

البلد

القصة

5 قتلى منهم 3 أمنيّين و2 مدنيّين تونسيّين أحدهما حاملا للجنسية الفرنسيّة و9 مصابين في اعتداء مسلّح نفذّه فرد شرطة تونسيٌّ حاول الوصول للكنيس اليهودي

كتب – عبير بالريش ونورهان كاهنة

عاشت جزيرة جربة التونسيّة، مساء يوم 9 مايو 2023، على وقع اعتداء مسلّح سرعان ما تواترت الشائعات بشأنه.

جزيرة “الأحلام” التّي سرقت الأضواء في الأيّام القليلة الماضية، لما شهدتهُ من أجواء استثنائيّة مع انطلاق الطقوس الاحتفاليّة لحجّ يهود العالم لكنيس “الغريبة”، تصدّرت حديث الإعلام المحليّ والأجنبيّ ومواقع التواصل الاجتماعيّ، والتّي ضجّت بالشائعات بشأن ذلك الاعتداء والذي وصفتهُ وزارة الداخليّة التونسيّة بـ”الغادر والجبان”.

ويرصدُ “تفنيد” في هذا المقال التفسيري، أهمّ الشائعات التّي تمّ تداولها في الساعات الأولى للحادث والتّي تتعلّقُ بمنفذّ الاعتداء، ومكانه وطريقته فضلا عن عدد المصابين والضحايا وجنسيّاتهم. 

كنيس الغريبة.. ما هو؟ 

يقع كنيس أو معبد “الغريبة” في جزيرة جربة، جنوب شرقيّ العاصمة تونس، ويُعدُّ من أقدم المعابد اليهوديّة في إفريقيا، حيثُ يُتداول أنّه شُيّد قبل نحو 2500 عام.

ويشكّل “الغريبة” وجهة ليهود العالم الذّين يتوجّهون بالآلاف سنويّا إلى جربة فيما يعرف بـ”حج الغريبة” حيثُ يؤدّون طقوسا روحيّة واحتفاليّة لمدّة 3 أيّام خلال شهر مايو.

وقد شهد المعبد اعتداءين سابقين، أوّلهما قام به فرد شرطة في عام 1985، وأسفر عن مقتل 3 أشخاص، فيما نُفذّ الهجوم الثّاني في عام 2002 وأسفر عن مقتل 21 شخصًا، من بينهم 14 سائحًا ألمانيّا.

هل كان هجومًا لمجموعة “إرهابيّة”؟

تداولت صفحات على فيسبوك ومنها “تونسنا 24” و”قفصة اليوم” و”شبكة هنا تونس الإخباريّة“، منشورات تُفيد باستشهاد عون أمن والاستيلاء على سلاحه من قبل مجموعة إرهابيّة في جربة وانطلاق عمليّة تبادل لإطلاق النّار بينها وبين القوّات الأمنيّة.

وفي ذات الصدد، نقلت صفحة “القدس” عن إذاعة الجيش الإسرائيلي ادّعاءً مفاده مقتل 3 مسلّحين على يد قوّات الأمن التونسيّة بعد محاولتهم تنفيذ الهجوم.

تتبّع فريق عمل “تفنيد”، تلك الادّعاءات وتوصّل إلى أنّها “غير صحيحة”، حيثُ كشفت وزارة الداخليّة التونسيّة في بيان نشرته على صفحتها الرسميّة على فيسبوك عقب عمليّة الاعتداء يوم 9 مايو 2023، أنّ عمليّة الاعتداء حدثت على مرحلتين.

حيثُ عمد منفّذ الاعتداء، وهو عون حرس تابع للمركز البحري للحرس الوطني بمنطقة “أغير” بجربة، إلى قتل زميله، والاستيلاء على الذخيرة في مرحلة أولى، ثمّ تنقلّ في مرحلة ثانية، إلى محيط الكنيس فعمد إلى إطلاق النار بصفة عشوائيّة على الوحدات الأمنيّة المتمركزة بالمكان، والتّي تصدّت لهُ وأردتهُ قتيلا.

هل حدث الاعتداء داخل المعبد؟

وشاركت صفحة قناة الجزيرة على فيسبوك نقلا عن هيئة البثّ الأسرائيليّة، وأيضا موقع “DW عربيّة” أخبارًا تمّ تداولها على نطاق واسع، مفادها إطلاق نار على الكنيس اليهوديّ واستهداف الحجّاج اليهود.

تتبّع فريق عمل “تفنيد” هذه الادّعاءات وتوصّل إلى أنّها “غير صحيحة”، حيثُ نفى فوزي الانكشاري، عمدة منطقة “حومة السوق” بجربة، وجود أيّ إطلاق نار داخل الكنيس، وذلك في تصريح خاصّ لإذاعة “المنستير” نقلتهُ مكتوبا على صفحتها الرسميّة على فيسبوك.

وكشفت وزارة الداخليّة التونسيّة أنّ منفّذ الاعتداء حاول الوصول إلى محيط معبد الغريبة، وعمد إلى إطلاق النار بصفة عشوائيّة غير أنّ  الوحدات الأمنيّة المتمركزة بالمكان تصدّت لهُ ومنعتهُ من الوصول إلى المعبد وأردتهُ قتيلا، وذلك في ذات البيان السّابق ذكره.

ويتوافقُ كلّ من تصريح فوزي الانكشاري؛ وبيان وزارة الداخليّة، مع تصريح لبيريز الطرابلسي، رئيس هيئة تنظيم زيارة الغريبة، نقلته وسائل إعلام محليّة عن وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) يوم 10 مايو 2023، مفاده أنّ عمليّة إطلاق النّار حدثت خارج معبد الغريبة وبعد انتهاء طقوس الزيارة، وأنّ القتيلين الاثنين من الزوّار كانا خارج المعبد.

ما صحّة اختطاف وأسر الزّائرين؟

تداولت صفحاتٌ على فيسبوك ومنها “Tuniflix” و”Politiket” خبرًا مفاده أنّ الإرهابيّين المنفذين لعملية جربة اختطفوا رجلًا وأسروه.. وبالبحث والتحرّي، تبيّن أنّ الخبر “غير صحيح”، حيثُ لم تذكر وزارة الداخليّة في ذات البيان السّابق ذكره أيّ تفاصيل تتوافقُ مع هذا الادّعاء.

ماذا عن الصورة الشخصيّة المتداولة للقاتل؟

وفي سياق متّصل، تداولت صفحاتٌ على فيسبوك ومنها “Capsa TV” و”عالم غريب” خبر الاعتداء، مرفقا بصورة لشابّ كتب عليها “القاتل” مُدّعين أنّها الصورة الشخصيّة للأمنيّ منفّذ الاعتداء، ولاقت هذه الصور انتشارا واسعا في الساعات الأولى الموالية للاعتداء.

تحرّى فريق عمل “تفنيد” حول الصورة المتداولة، وتبيّن أنّها تعودُ إلى شاب تونسيّ يُدعى وسام الخزري ولا صلة له بالهجوم، حيثُ تواصلنا مع صديقة له عبر “فيسبوك” وأخبرتنا أنّهُ نائمٌ في المنزل ولم يفعل ذلك.. وينشرُ “تفنيد” في هذا الصدد صورة المحادثة:

وفي وقت لاحق من ذات اليوم، قام الشّاب ببثّ مباشر عبر حسابه على فيسبوك، ونفى علاقته بالحادثة.

ويُشار إلى أنّ الصفحات المذكورة وغيرها سارعت بحذف المنشورات التّي تداولتها في هذا الشأن بعد البثّ المباشر للشخص المذكور، كما أنّ البثّ المباشر الأصلي لم يعد متاحًٌا على حسابه الشخصيّ، فيما قام بنشر بثٌّ مباشر توضيحيّ ثان يوم 10 مايو 2023.

وبالمزيد من البحث والتحرّي، توصّلنا إلى مداخلة لذات الشّخص في برنامج “مع النّاس” على إذاعة “اي أف أم”، أفاد فيها بأنّه لم يكن على علم بالاعتداء وتلقّى الخبر من أصدقائه كما نفى علاقته بعمليّة القتل، مشيرا إلى أنّ ما حدث هو مجرد تشابه في الأسماء، حيث يحمل مرتكب الاعتداء ذات الاسم واللّقب.

يُشار إلى أنّ السلطات الرسميّة لم تعلن بعد عن الهويّة الشخصيّة لمنفذّ الاعتداء. 

ما هي جنسيّات الضحايا المدنيّين؟

شاركت صفحاتٌ على فيسبوك ومنها “إسرائيل تتكلّم بالعربيّة” و”رام اللّه الإخباري” و”رصد التونسيّة” و”تاريخ ولاية الجزائر العثمانيّة وامبراطوريّة المغربيّة الشريفة” ادّعاءاتٌ مفادها مقتل اسرائيلين في الهجوم المذكور. 

وبالبحث والتحرّي، اكتشف فريق عمل “تفنيد” أنّ تلك الادّعاءات غير صحيحة، حيثُ أفادت وزارة الشؤون الخارجيّة والهجرة والتونسيّين بالخارج أنّ الاعتداء أسفر عن مقتل 3 أمنيّين ومدنيّين اثنين تونسيٌّ والثالث شخص تونسيٌّ – فرنسيٌّ، وذلك في بيان نشرتهُ على صفحتها الرسميّة على فيسبوك يوم 10 مايو 2023. 

ويتوافقُ بيان الخارجيّة التونسيّة مع تصريح لروني الطرابلسي، وزير السيّاحة الأسبق، في برنامج “La Matinale” على إذاعة “شمس أف أم” يوم 10 مايو 2023، أفاد فيه بأنّ عدد الضحايا من المدنيّين بلغ 2، وهما يهوديّان تونسيّان، أحدهما حامل لجنسية ازدواجيّة تونسيّة – فرنسيّة.

من جهته، ندّد الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون بالحادث، وأشار إلى أنّ فرنسا تقفُ إلى جانب عائلة مواطنها المقتول، وذلك في تغريدة على حسابه الرّسمي على تويتر يوم 10 مايو 2023.

المصادر