البلد
: تونسالقصة
كتبت: نورهان كاهنة
صادق البرلمان التونسي يوم 6 فبراير 2024، على مشروع قانون للترخيص للبنك المركزي بصفة استثنائيّة في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامّة للبلاد في حدود مبلغ صاف بقيمة 7000 مليون دينار، تُسحب على أقساط حسب حاجيات الميزانيّة، ممّا سيسمح للدولة بسداد قرض بقيمة 850 مليون يورو، سيحلُّ أجله في 16 فبراير الجاري، في ظلّ صعوبات في تعبئة موارد الاقتراض الخارجي المبرمجة لسنة 2024، والتّي رفّعتها الحكومة إلى 16 ألفا و445 مليون دينارا، مقابل 10 آلاف و563 مليون دينارا لسنة 2023.
وفي رصد للآثار المحتملة لتسديدات القروض الخارجيّة على سعر الصرف، قال الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، خلال مداخلة في برنامج “Expresso”، على إذاعة “Express FM”، يوم 8 فبراير 2024، إنّ قيمة الدينار تتحدّد بحجم الموجودات من العملة الصعبة في خزينة البنك المركزي، بحيث تنخفض قيمة الدينار كلمّا انخفضت قيمة الموجودات من العملة الصعبة، وأوضح أنّ قيمة صرف الدينـار تعكسُ حقيقة ما إذا كانت العملة الصعبة المتوفّرة في خزينة الدولة هي عملة نادرة أو وفيرة.
ويتوافقُ تصريح الشكندالي مع تصريح أدلى به مروان العباسي، محافظ البنك المركزي، خلال حضوره في جلسة استماع نظّمتها لجنة الماليّة والميزانيّة بالبرلمان التونسي يوم 1 فبراير 2024، حيث أفاد بأنّ القرض سيؤدّي إلى انخفاض احتياطي العملة الصعبة لـ14 يوم تصدير، ما سيؤثّر على نسبة صرف الدينـار.
حاولنا التحقّق من ادّعاء رضا الشكندالي، والتدقيق فيما إذا كانت قيمة الدينار تنخفضُ فعليّا كلّما انخفضت قيمة احتياطي العملة الصعبة، فاكتشفنا أنّه “صحيح نسبيّا”، حيثُ رجعنا في المرحلة الأولى، إلى إحصاءات البنك المركزي التونسيّ الخاصّة بأسعار الصرف والموجودات بالعملة الصعبة.
وبمقارنة البيانات المتاحة، توصلنا إلى أنّ الزيادة في حجم الموجودات بالعملة الصعبة لا تؤدّي بالضرورة إلى الزيادة في قيمة صرف الدينـار على المدى المتوسّط والبعيد، إذ ارتفع سعر صرف الدولار من 2.237 دينار للوحدة إلى 3.178 دنانير للوحدة، بفارق 0.940 دينارا، بين 31 أكتوبر 2016 و2023، فيما ارتفعت قيمة الموجودات بالعملة الصعبة، خلال ذات الفترة بحوالي 11 مليونا و891 ألفا و843 دينارا، لتبلغ 25 مليونا و154 ألفا و489 دينـارا مقارنة بـ13 مليونا و262 ألفا و646 دينارا في 2016.
وهو ما يعني أنّ ّقيمة الدينـار تراجعت بالرّغم من ارتفاع الموجودات بالعملة الصعبة في خزينة البنك المركزي.
أمّا على المدى القصير، فقد لاحظنا بالفعل أنّ انخفاض الموجودات بالعملة الصعبة عادة ما ينتج عنه تراجعا طفيفا في قيمة الدينـار مقارنة بالدولار، إلّا في حالات استثنائيّة، حيثُ تُسجّل قيمة الدينـار تحسنّا طفيفا بالرغم من تراجع الموجودات بالعملة الصعبة كما هو الحال بالنسبة للفترة بين ديسمبر 2022 وأبريل 2023، إذ شهدت قيمة الموجودات بالعملة الصعبة تراجعا بـ852 ألفا و612 دينارا لتبلغ 22 مليونا و178 ألفا و909 دنانير في 30 أبريل 2023، مقابل 23 مليونا و31 ألفا و521 دينارا في 31 ديسمبر 2022.
وفي المقابل، سجّلت قيمة الدينـار تحسّنا طفيفا في ظلّ تراجع سعر صرف الدولار من 3.145 دنانير إلى 3.056 دنانير للوحدة.
ويرصدُ “تفنيد” في الرسم البياني التالي تطوّر قيمة الموجودات بالعملة الصعبة وسعر صرف الدينـار طيلة الفترة الممتدّة بين يناير 2010 وأكتوبر 2023 استنادا إلى البيانات التّي يُتيحها البنك المركزي التونسي:
العوامل المؤثّرة في تحديد قيمة الدينار:
تواصل فريق “تفنيد”، في مرحلة ثانية مع حسين الديماسي، الخبير الاقتصادي ووزير الماليّة التونسي الأسبق، لمعرفة ما إذا كانت قيمة الموجودات بالعملة الصعبة في الخزينة العامّة للبلاد هي العامل الوحيد المتحكّم في تحديد قيمة الدينار أو العملة بصفة عامّة، أم توجد عوامل أخرى مؤثّرة تجعل أحيانا العملة قويّة أو تسهم في انهيارها.
وأكّد حسين الديماسي لـ”تفنيد” أنّ الموجودات من العملة الصعبة هي العامل الأساسيّ المتحكّم في تحديد قيمة الدينار على المدى القصير، لكنّها ليست الوحيدة، إذ تتأثّرُ قيمته أيضا بحجم التبادلات الثنائيّة للعملات وزيادة العرض والطلب عليه من البنوك الأجنبيّة، فترتفعُ قيمتهُ مع ارتفاع الطلب عليه والعكسُ صحيح.
وأضاف “الديماسي” أنّ الأوضاع السياسيّة المضطربة وغير المستقرّة في البلدان التّي تشهدُ انقلابات أو ثورات وانتفاضات شعبيّة بالإضافة إلى الآفات الاقتصاديّة والماليّة والطبيعيّة، قد تُؤدّي إلى تراجع الثقة في العملة، من الناحية السياسيّة، وليس من الناحية الاقتصاديّة أو الماديّة، بما معناه أنّ بعض الشركاء قد يعلّقون تعاملاتهم مع تلك البلدان المضطربة كخطوة استباقيّة خوفا من تردّي عملتها، وهو ما سيؤدّي بالضرورة إلى انخفاض قيمة العملة فعليّا كنتيجة مباشرة لتعليق تلك المعاملات.
أمّا على المدى المتوسّط والبعيد، فهناك عدّة عوامل أخرى مؤثّرة، يعتقدُ “الديماسي” أنّ التضخمّ المالي، أهمّها، إذ يؤدّي ارتفاع نسبة التضخمّ إلى انخفاض قيمة العملة فيما يؤدّي انخفاض التضخمّ إلى ارتفاع قيمة العملة.
وهو ما نلتمسهُ من الواقع أو المؤشّرات الماليّة لتونس، ففي حين ارتفعت نسبة التضخمّ من 3.3% في سنة 2010 وفق بيانات البنك الدولي، إلى 8.6% في أكتوبر 2023 وفق بيانات الإحصاء، فإنّ ذلك أدّى إلى انزلاق في قيمة الدينار بنسبة 122%، حيثُ بالعودة مجدّدا إلى بيانات البنك المركزي المتعلّقة بالصرف، نلاحظ أنّ سعر صرف الدولار مقارنة بالدينـار ارتفع من 1.431 دينار للوحدة كمعدّل سنويّ في 2010 إلى 3.178 دنانير في أكتوبر 2023.
وأفاد “الديماسي” بأنّ التصاعد الكبير والمستمرّ لنسب التضخّم يؤدّي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، وعليه فإنّه في حال كان البلد يعتمدُ بشكل كبير على التصدير، فإنّ المحافظة على وتيرة التصدير أو رفعها وضمان الحضور التنافسي في الأسواق العالميّة يتطلّب تخفيضا في قيمة العملة، وهي معادلة يقول “الديماسي” أنّها معروفة، وعكسُها صحيح وواردٌ، حيثُ في حال كان التضخّم ضئيلا، فإنّ قيمة العملة تتحّسن، وهو ما يُحيلنا إلى أنّ الدولة حافظت على المنافسة في الأسعار، وهي بالتالي غير مطالبة بالتخفيض في عملتها لدفع صادراتها.
وفيما يتعلّق بتأثير سداد القروض الخارجيّة لتونس سلبيّا على قيمة الدينـار، أكّد حسين الديماسي لـ”تفنيد” أنّ سداد خدمة الدين العمومي سيؤدّي دون شكّ إلى تراجع الموجودات بالعملة الصعبة في الخزينة العامّة للبلاد، ممّا سيؤثّر بالتّالي على قيمة الدينـار على المدى القصير، وكذلك المتوسّط باعتبار أنّ تسديدات القروض الخارجيّة ستتواصلُ في المستقبل.
يُشار في هذا الصدد، إلى أنّ تونس مطالبة بسداد خدمة دين عموميّ بقيمة 24 ألفا و701 مليون دينـار في سنة 2024، فيما من المقدّر أن يرتفع حجم دينها الإجمالي إلى 139 ألفا و976 مليون دينارا في نهاية السنة، ما يمثّل 79.81% من إجماليّ الناتج المحلّي للبلاد.
التعليقات حول هذا المقال