البلد
: تونسالقصة
كتب: تقوى نفزي
صرحت فاطمة المسدي، النائبة بمجلس نواب الشعب التونسي، خلال برنامج “جريدة 619″، على منصة يوتيوب، يوم 26 يناير 2025، بأن “جيشا من عديد الدول ما يقابل 60 ألفًا حسب الإحصاءات شبه الرسمية في العامرة وجبنيانة، في حين أن مجموع سكان منطقتي العامرة جبنيانة هو 50 ألفًا”.
تتبع فريق “تفنيد” تصريح النائبة بمجلس نواب الشعب، لمعرفة أعداد المهاجرين غير النظاميين في تونس، وتحديدا في منطقتي العامرة وجبنيانة من ولاية صفاقس، ومن خلال البحث تبين أن هناك العديد من التصريحات حول تقدير أعداد المهاجرين غير النظاميين مقابل غياب بيانات رسمية دقيقة.
مصدر شبه رسمي أم كواليس رسمية؟
بتاريخ 21 يناير 2025، وخلال مرورها ببرنامج “تونس اليوم مع معز العويني”، قالت النائبة فاطمة المسدي: “بعض الكواليس الرسمية تتحدث عن 60 ألف مهاجرًا غير نظامي في العامرة وجبنيانة، مش نحكي على صفاقس مش نحكي على تونس كاملة”.
وفي حوارها الأخير قالت إن حوالي 60 ألف مهاجرًا في منطقتي العامرة وجبنيانة حسب إحصاءات شبه رسمية، ولذلك اتصلنا في “تفنيد” بالنائبة المدعية للتأكد من الرقم الذي صرحت به ومصدر معلوماتها، فأكدت أنها اعتمدت مصدر “شبه رسمي” بشأن أعداد المهاجرين غير الشرعيين بالمنطقتين، ولكنها تكتمت عن الإفصاح عنه.
ويوم 17 يناير 2025، أعطت النائبة ذاتها رقم مغاير، حيث نشرت تدوينة على صفحتها في فيسبوك، قالت فيها إن “عدد المهاجرين غير النظاميين في صفاقس 50 ألفًا، وأن ذلك يشكل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا للولاية”.
20 ألف مهاجرًا في العامرة وجبنيانة أم أكثر؟
بالعودة للأرقام الرسمية، وجدنا أن مجلس النواب نظم يوما دراسيا برلمانيا حول الهجرة غير النظامية في تونس، يوم 22 يناير 2025، وتم التأكيد خلال هذا اليوم بالاستناد إلى تقرير المنظمة الأممية للهجرة، أنّ تمركز المهاجرين غير النظاميين بدول شمال إفريقيا ارتفع، مقابل انخفاضه في تونس، حيث يصل إلى 20 ألف مهاجرًا غير نظامي، وأن أكبر نقطة تجمّع توجد بولاية صفاقس.
ولم تنشر الصفحات التابعة للبرلمان أي أرقام حول عدد المهاجرين، فيما تناقلت وسائل إعلام تونسية تصريحا لخالد بن جراد، المدير المركزي بالتفقدية العامة للحرس الوطني، إلا أنها تضاربت في نقل الرقم، إذ وجدنا أن بعضها نشر أن 20 ألف مهاجرًا فقط في منطقة العامرة وحدها، وأخرى أوردت أن العدد 20 ألف مهاجرًا لمنطقتي جبنيانة والعامرة.
لاحظنا أن عدد المهاجرين في المنطقة بعيدة تماما عن الرقم الذي صرحت به النائبة فاطمة المسدي، فأجرينا اتصالًا بها لمناقشتها في مسألة العدد الذي صرح به مدير التفقدية، فأكدت أنها كانت حاضرة خلال اليوم الدراسي البرلماني حول الهجرة غير النظامية، وتابعت مخرجاته، وأن الرقم 20 ألف مهاجرًا يعود لمنطقة العامرة فقط، وأن الأرقام تقديرية ولكنها ترى أنها في الواقع تفوق ذلك بكثير.
لذا اتصلنا بالمدير المركزي بالتفقدية العامة للحرس الوطني، والذي أكد لنا بدوره أن التقديرات الأولية للحرس الوطني لعدد المهاجرين غير الشرعيين هو 20 ألف مهاجرًا بمنطقتي جبنيانة والعامرة معا، وأنهم في انتظار نتيجة المسح الوطني للسكان في مارس المقبل، لمعرفة الأرقام النهائية التي سينشرها المعهد الوطني للإحصاء.
ومن جهته اعتبر رمضان بن عمر، المكلف الإعلامي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خلال اتصال “تفنيد” به أن الرقم (20 ألفًا) الذي صدر في اليوم الدراسي الخاص بالهجرة بالبرلمان “مبالغ فيه قليلا”، مقدّرا أن الأعداد الموجودة الآن في صفاقس أقل من ذلك.
كما صرح حسام الدين الجبابلي، العميد بالحرس الوطني، خلال حضوره ببرنامج Midi Express، على إذاعة “إكبراس اف ام”، بتاريخ 22 يناير 2025، أن الأفارقة جنوب الصحراء موجودون في كامل تراب المغرب العربي، وكذلك في دول أخرى يصل عددهم إلى مئات الآلاف، أما تونس بها 10 آلاف إلى 15 ألفًا في منطقتي العامرة وجبنيانة.
في حين عبّر كمال الفقي، وزير الداخلية الأسبق، يوم 3 أغسطس 2023، عن صعوبة إحصاء أعداد المهاجرين غير الشرعيين، قائلا: من غير الممكن إحصاء المهاجرين غير الشرعيين إلا بتجميعهم، لكن من الممكن أن نحصيهم بصفة تقديرية، وفي صفاقس وهي مدينة من المدن ذات تجمع كبير للأفارقة المهاجرين، فيها بحدود 17 ألف مهاجرًا، وحسب التقديرات فإن تونس كاملة فيها ما يقارب 80 ألفًا.
وكان الحرس الوطني التونسي، شنّ حملة أمنية في منطقة صفاقس في أبريل 2024، بهدف نقل المهاجرين إلى مناطق أخرى، بعد تفاقم الأوضاع والتوترات المستمرة مع السكان المحليين، وكان صرّح وزير الداخلية في ذلك الوقت خلال حضوره في مجلس النواب يوم 6 مارس 2024، قائلا: “من المستحسن نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى حدائق زيتون منطقة العامرة وجبنيانة أفضل من أن يتركوا في المدينة العربي، مؤكدًا أنه قد يكون هناك اتفاقيات لتوطينهم في تونس، ووصف وضعية المهاجرين الأفارقة بـ”ثقل كبير يجب تقاسمه بطريقة ذكية”.
دراسات وتقارير حول أعداد المهاجرين غير النظاميين في تونس:
تعدّدت التصريحات الرسمية حول أعداد المهاجرين غير الشرعيين في تونس كاملة أو في منطقة العامرة وجبنيانة. تتبعنا في “تفنيد” هذه التصريحات التي ترصد مدى تضارب الأرقام الرسمية التقديرية وقد يعود ذلك لصعوبة إحصائهم جراء انتشارهم بطرق مخفية في مناطق عدة.
وخلال عملية البحث عن مصادر رسمية تونسية حول حقيقة الأعداد، وجدنا أن ياسين مامي، النائب بالبرلمان، نشر على صفحته في فيسبوك مخرجات جلسة استماع لجنة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي وشؤون التونسيين بالخارج والهجرة، إلى كامل الفقي، عقدت بتاريخ 20 مايو 2024، للتباحث بشأن تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية نحو تونس، وتضمنت المخرجات التي عرضها وزير الداخلية السابق عدد المهاجرين الإفريقيين غير نظاميين المتواجدين في تونس وقدّر بـ23 ألف مهاجرًا، وهو ما يتعارض مع ما صرّح به سابقا بأن عددهم في كامل تونس حوالي 80 ألف مهاجرًا.
وتضمنت المعطيات التي تم تقديمها، وجود 27 جنسية إفريقية في تونس، ويقدّر عدد المتواجدين بصفة شرعية بـ9 آلاف فقط، وعاد ما يقارب 7 آلاف مهاجر إفريقي غير شرعي إلى بلدانهم بصفة طوعية، بينما يتواجد في السجون حوالي 1099.
وأجرى معهد الإحصاء التونسي بالشراكة مع المرصد الوطني للهجرة سنة 2021، المسح الوطني للهجرة الدولية، وفيه توزيع المهاجرين المقيمين في تونس حسب جنسياتهم، وفيه نجد ارتفاع عدد الأفارقة من خارج دول المغرب العربي بشكل كبير، فمنذ 2014 ارتفع العدد من 7200 إفريقي إلى 21 ألفًا و466 فردًا.
ويشكّل الإيفواريون، ثلث هذا العدد وهم أكبر جنسية ضمن هذه الفئة، يليهم مواطنو جمهورية الكونغو الديمقراطية، وغينيا، ومالي، ويشكل كل منهم نحو عُشر إجمالي الأفارقة من غير المغاربيين في تونس، كما موضح كالتالي:
ويمثل عدد الوافدين الأفارقة من بلدان خارج منطقة المغرب العربي إلى تونس 50.3% من إجمالي الوافدين خلال الفترة بين سنة 2015 – 2020.
ومؤخرا نشرت المفوضية السامية للأمم المتحد تحديثًا لخارطة المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس حتى نهاية ديسمبر 2024، فتبين أن 15 ألفًا و514 فردا مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتونس.
والخمس ولايات الأولى في عدد اللاجئين وطالبي اللجوء هم على التوالي ولاية مدنين في المرتبة الأولى بـ7719، ولاية تونس المرتبة الثانية بـ3466، وصفاقس ثالثة بـ1298، ثم أريانة الرابعة بـ1228، والخامسة سوسة بـ258.
في حين أظهر تقرير بعنوان “الهجرات المغاربية: كيف يمكن لشمال إفريقيا وأوروبا العمل معًا بشأن الهجرة من جنوب الصحراء الكبرى”، نشر على موقع european council on foreign relations، أنه في سنة 2007 دعمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 87 مهاجرًا فقط في تونس. أما سنة 2011 ساعدت المنظمة أكثر من 4000 لاجئ وطالب لجوء، ومؤخرا سنة 2024 ارتفع العدد إلى 28 ألفًا و200.
في حين أعادت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 3000 مهاجر إلى وطنهم بين يناير ومايو 2024، وهي زيادة ملحوظة مقارنة بـ2557 مهاجرًا سنة 2023، و1614 مهاجرًا سنة 2022.
التعليقات حول هذا المقال