البلد
: تونسالادعاء
في خطوة سيادية وثورية، قررت رئاسة الجمهورية التونسية تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة القمح، وكلفت المؤسسة العسكرية بهذه المهمة الوطنية. فقام الجيش الوطني بزراعة بذور القمح التونسي الأصيلة في الضيعات العسكرية، مستبعدًا كل البذور المستوردة.
وقد أسفرت هذه الجهود عن صابة (محصول) قياسية لم تشهدها تونس من قبل، بهدف بلوغ الاكتفاء الذاتي بحلول موسم 2026. ويُعدّ هذا الإنجاز نموذجًا يُحتذى به في استرجاع السيادة الغذائية، ويتطلب حماية صارمة للمحاصيل، وردعًا حازمًا لكل من يهدد قوت التونسيين.

أبرز المعلومات
- الادعاء "مضلل"، حيث تبين من خلال البحث العكسي أن الصور المصاحبة للادعاء "قديمة"، كما أنه بالبحث في موقعي رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع لم يتم الإعلان عن أي دور محوري للمؤسسة العسكرية في إنتاج القمح أو تحقيق محصول قياسي، كما أنه رغم تحسّن إنتاج القمح في تونس خلال موسم 2025 فإنها لا تزال تعتمد على الاستيراد بنسبة كبيرة لتغطية الاستهلاك.
القصة
تتبع فريق “تفنيد” الادعاء المتداول، يومي 25 و26 يونيو 2025، على صفحات تونسية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، والذي يظهر صورا لأفراد من الجيش التونسي في أحد حقول القمح، وأرفقتها بادعاء مفاده أن الجيش مكلف من طرف رئاسة الجمهورية في تحقيق الاكتفاء الذاتي وغراسة بذور القمح الأصيلة في الضيعات العسكرية، وهو ما نتج عنه محصول قياسي وبلوغ الاكتفاء الذاتي بحلول سنة 2026، وتبين أنه “مضلل”، وذلك بالعودة إلى مواقع رسمية تونسية ومواقع دولية وتقارير صحفية، إضافة إلى أن البحث العكسي عن الصور.
في البداية بحثنا عكسيًا عن الصور المتداولة والتي تُظهر أفرادًا من الجيش التونسي في أحد حقول القمح، وتبيّن أنها “قديمة“، ونشرها المعهد الوطني للزراعات الكبرى بتاريخ 11 مايو 2021، مشيرا إلى أنها لزيارة ميدانية لفريق فني عن المعهد إلى ضيعات عسكرية في محافظتي منوبة وباجة صحبة “ضباط التصرف في الضيعات” بتاريخ 7 مايو 2021 في إطار اتفاقية التعاون الفني بين المعهد والإدارة العامة للضيعات العسكرية.
كما أرفق بعض متداولي الادعاء صورًا للرئيس التونسي قيس سعيّد رفقة عناصر ووحدات وتشكيلات من الجيش، وبالتحقق من هذه الصور، تبيّن أنها تعود إلى إشراف الرئيس على موكب الاحتفال بالذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني، الذي أُقيم يوم 24 يونيو 2025، ولا علاقة لها بأي مشاركة فعلية للجيش في موسم الحصاد.
هل كلفت رئاسة الجمهورية الجيش بتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟
في تتبعنا لهذا الجزء في الادعاء المتداول بحثنا في صفحة رئاسة الجمهورية وفي موقع وزارة الدفاع، واطلعنا على نص خطاب الرئيس التونسي الذي ألقاه في الذكرى 69 لانبعاث الجيش، فلم نعثر على ما يفيد بتكليف رئاسة الجمهورية للمؤسسة العسكرية بمهمة تحقيق الاكتفاء الذاتي وزراعة بذور القمح الأصيلة واستبعاد المستوردة.
وكان الرئيس تطرق فعلا في عدد من تصريحاته للسيادة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، في أبريل 2022 عند استقباله لوفد من الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، كما صرح في مايو 2022 بأن صابة الحبوب استثنائية وستحقق تونس اكتفائها الذاتي.

لكن بحسب تقرير نشره البنك الأوروبي للاستثمار في أبريل 2023، فإن أسعار القمح بحلول مايو 2022 بلغت 430 دولارا للطن الواحد أي ضعف مستوى الأسعار مقارنة بـ2021، نتيجة ارتفاع كلفة الدعم وتعطل الإمدادات الناتجة عن جائحة كوفيد-19 و”الغزو” الروسي لأوكرانيا، وأصبحت تونس، وفق ذات التقرير والتي تستورد 95% تقريبًا من القمح اللين المستخدم في صناعة الخبز، تنفق 250 مليون دولارًا إضافية على مشترياتها من القمح.
ونقل التقرير عن نبيل زروق، المدير العام المساعد لديوان الحبوب التونسي، الذي يدير إمدادات الحبوب في البلاد، أن تونس “تستورد عُشر كمية القمح لديها من روسيا ونسبة 65% تقريبًا من أوكرانيا”.
ونقل التقرير أيضا أن البنك الأوروبي للاستثمار وقع قرضا بقيمة 150 مليون يورو مع تونس لتحسين شبكة مخازن الحبوب وتوسيعها بهدف مضاعفة فترة مخزونها الاحتياطي من الإمدادات من شهرين إلى أربعة أشهر، كما أكد التقرير تخصيص 82 مليون يورو من هذا المبلغ لشراء الحبوب.
“محصول قياسي” وتحقيق الاكتفاء الذاتي سنة 2026:
ذكر الادعاء أيضا أن مجهود الجيش أدى إلى محصول قياسي لم تشهده تونس من قبل بهدف بلوغ الاكتفاء الذاتي سنة 2026، وهو ما دفعنا إلى الاطلاع عما تصدره وزارة الفلاحة الأمريكية (USDA) من تقارير عبر مكتبها الإقليمي في تونس، حيث ذكر تقرير للوزارة صادر في 1 أبريل 2025 حول إنتاج القمح في تونس لموسم 2025 – 2026، أنه من المتوقع أن يبلغ إنتاج القمح 13.5 مليون قنطارًا، بزيادة 14% مقارنة بموسم 2024 – 2025.
وأكد التقرير أن الاحتياج الوطني من القمح يبلغ 29.9 مليون قنطارًا بزيادة سنوية 2% مقارنة بالسنوات الماضية، وأضاف التقرير أنه لتلبية الطلب الوطني وضمان المخزون من المتوقع أن تكون الواردات 17 مليون قنطارًا (لتغطية الفارق بين الإنتاج والاستهلاك وتكوين احتياطي).
وكانت المديرة العامة لديوان الحبوب أكدت في مايو 2024، وخلال جلسة استماع بمجلس النواب، أن معدل الاستهلاك السنوي لتونس يبلغ 36 مليون قنطارًا (قمح لين وصلب وشعير) بقيمة 4800 مليون دينار، وتبلغ كلفة التوريد السنوي 3400 مليون دينار، وأضافت أن ديوان الحبوب يتولى توريد 70% من حاجيات تونس من الحبوب أي حوالي 2.9 مليون طن (29 مليون قنطارًا)، ويتم توريد القمح اللين بصفة هيكلية وبنسبة تفوق 90% من حاجيات البلاد.
وفي مارس 2025 صرحت مديرة ديوان الحبوب، لوكالة الأنباء الرسمية في تونس، بأنه حتى في المواسم التي تشهد محصولا جيدا يتم تغطية حوالي 20% من حاجيات تونس من القمح الصلب عبر التوريد، في حين تبلغ نسبة التوريد في القمح اللين نحو 95%، وذلك بصرف النظر عن حجم الإنتاج المحلي، نتيجة تقلص المساحات المزروعة بالقمح اللين في البلاد.
ووفق إحصاءات ديوان الحبوب، بلغت واردات القمح (اللين والصلب) 17.37 مليون قنطارًا سنة 2018، وانخفضت إلى 15.81 مليون قنطارًا سنة 2019، نتيجة لتسجيل محصول استثنائي مقارنة بالسنوات التي سبقته، وعاودت الواردات الارتفاع سنة 2020 إلى 18.28 مليون قنطارًا، ثم 16.71 مليون قنطارًا سنة 2021، لتعاود الارتفاع سنة 2023 إلى 19.60 مليون قنطارًا، وقد تتراجع حسب وزارة الفلاحة الأمريكية إلى 17 مليون قنطارًا في 2024 – 2025.
وفي نشرتها القُطرية الخاصة بتونس الصادرة عن نظام الإنذار المبكر GIEWS قدّرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بتاريخ 26 مارس 2025، إنتاج الحبوب في تونس لسنة 2024 بنحو 15 مليون قنطارًا، أي ما يقارب 3 أضعاف إنتاج سنة 2023 المتأثر بالجفاف، ومع ذلك يظل هذا الرقم وفق النشرة، دون المعدل الخماسي بنحو 6%.
كما توقعت النشرة انخفاض واردات الحبوب إلى ما دون المعدل في 2025، حيث توقعت أن تبلغ حاجيات تونس من واردات الحبوب خلال موسم التسويق 2024 – 2025 (من يوليو إلى يونيو) نحو 35 مليون قنطارًا، وهو أقل من المعدل المعتاد، كما تُقدّر واردات القمح التي تمثل أكثر من نصف إجمالي واردات الحبوب بحوالي 20 مليون قنطارًا، أي أعلى بنحو 2% من المعدل، وذلك بفضل وفرة الإنتاج المحلي من القمح في 2024.
ووفق أرقام المرصد الوطني للفلاحة في مايو 2025، بلغت واردات الحبوب 47.3% من جملة الواردات الغذائية، مقابل 53.7% خلال ذات الفترة من السنة المنقضية، ومثل القمح (اللين والصلب) قرابة 30%.

الخلاصة: الادعاء بأن رئاسة الجمهورية كلفت المؤسسة العسكرية بتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، ما أسفر عن تسجيل محصول قياسي بهدف الاكتفاء الذاتي سنة 2026 “مضلل”، إذ لا يوجد إعلان رسمي بذلك، كما أن الصور المصاحبة للادعاء “قديمة”. ولا تزال تعتمد تونس على استيراد من 17 إلى 20 مليون قنطارًا قمح سنويًا.
المصادر
روابط الادعاء | تصفح تصفح تصفح تصفح تصفح |
الصور الأصلية تعود لسنة 2021 | تصفح |
صور الاحتفال بالذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني | تصفح |
خطاب رئيس الجمهوري في الذكرى 69 لانبعاث الجيش التونسي | تصفح |
استقبال قيس لسعيد لوفد من اتحاد الفلاحين | تصفح |
زيارة رئيس الجمهورية إلى وزارة الداخلية | تصفح |
تقرير البنك الأوروبي للاستثمار | تصفح |
تقرير وزارة الفلاحة الأمريكية في أبريل 2025 | تصفح |
تقرير وزارة الفلاحة الأمريكية في يونيو 2025 | تصفح |
مدير ديوان الحبوب في مجلس النواب | تصفح |
تصريح مديرة ديوان الحبوب لوكالة تونس أفريقيا للأنباء | تصفح |
احصائيات ديوان الحبوب | تصفح |
تقرير منظمة الأغذية والزراعة | تصفح |
المرصد الوطني للفلاحة | تصفح |
التعليقات حول هذا المقال