القصة
مشاركة النساء في الحياة السياسية تتراجع وفرص العمل غير متكافأة والعنف لم يختفي
كتبت: ريمان بارود
كعادتها كل عام، أحيت تونس العيد الوطني للمرأة التونسية، يوم 13 أغسطس 2022، احتفاءً بيوم صدور مجلة الأحوال الشخصية في ذات التاريخ، والتي تحتوي على تغييرات جوهرية تصب في صالح المرأة.
وصدرت مجلة الأحوال الشخصية بموجب الأمر العلي المؤرخ في 13 أغسطس 1956، ودخلت حيز النفاذ في الأول من يناير 1957، وتعد هي أول نص صدر بعد استقلال تونس في 20 مارس 1956.
وتهدف المجلة إلى إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في عدة مجالات، إذ أعطت للمرأة مكانة هامة في المجتمع التونسي خصوصًا والوطن العربي عمومًا، حيث تم إلغاء تعدد الزوجات ووضع مسار إجراءات قضائية للطلاق واشتراط رضاء الزوجين لإتمام الزواج.
كما يعتبر الدستور التونسي من أكثر النصوص تطورًا بخصوص حقوق المرأة في العالم العربي والإسلامي، إذ كرّس لأول مرة الخطاب المبني على النوع الاجتماعي “خطاب المؤنث والمذكر” ونص على العديد من الحقوق التي تتمتع بها النساء والرجال على قدم المساواة ودون تمييز وخاصة من خلال الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات.
حيث ينص الفصل 21 من دستور 2014 على أن المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواءً أمام القانون من غير تمييز، وتضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم.
والفصل 40 من الدستور ينص على أن العمل حق لكل مواطن ومواطنة، وتتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف. ولكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل.
كما خص الدستور حقوق النساء بفصل مستقل وهو الفصل 46 منه، والذي نص على أن تلتزم الدولة بـحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها، وتضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات، وتسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة، وتتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة.
كما صادق البرلمان التونسي على قانون أساسي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أغسطس 2017، ويهدف هذا القانون إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم.
ولكن مع كل من “مجلة الأحوال الشخصية” و”قوانين الدستور التونسي” الذان يكرّسا لحقوق المرأة التونسية.. هل تدل الأرقام والإحصائيات على حصولها على حقوقها؟
المشاركة السياسية
كثيرة هي الأحداث السياسية التي عاشتها تونس خلال العشر سنوات الأخيرة، بداية من الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس الراحل زين الدين العابدين عام 2011، وصولاً إلى الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في 2022، والمرأة التونسية لم تكن بمعزل عن هذه الأحداث بل كانت شريكًا فيها، وبذلت جهودًا كبيرة في الدفاع عن حقوقها المكتسبة والتنصيص على ذلك في دستور 2014.
ومن أهم الأحداث السياسية هي انتخابات 2014 و2019:
انتخابات 2014:
بحسب إحصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بلغ العـدد الإجمالـي للمسـجلين 5 ملايين و306 آلاف و324 ناخبًا، مقسمين إلى 4 ملايين و926 ألفًا و84 ناخبًا مسـجلاً بالدوائر الانتخابية داخل الجمهورية، و380 ألفًا و240 ناخبًا مسـجلًا بالدوائر الانتخابية بالخارج.
وبلـغ عـدد الإنـاث المسـجلات مليونين و446 ألفًا و393 ناخبة أي بنسـبة تقـدر بـ46.1% مـن مجمـوع الناخبين المسجلين، بينما كانت هناك امرأة واحدة فقط من أصل 27 مترشحًا، ضمن القائمة النهائية للمقبولين في الانتخابات الرئاسية، وهي القاضية التونسية كلثوم كنو.
ساهم مبدأ التناصف وقاعدة التناوب في الانتخابات التشريعية في تواجد أكثر من 4495 إمرأةً من أصل 9549 مترشحًا، أي بنسبة 48% من المترشحين للانتخابات التشريعية.
ومبدأ التناصف العمودي، يعني التناوب بين الرجال والنساء في المراتب ضمن كل قائمة انتخابية، أما على مستوى اختيار رؤساء القوائم، فإنه لا يفرض شروطًا.
أما التناصف الأفقي فيأتي في مرحلة ما بعد الانتخاب عند توزيع المهام، ويكون على مستوى رئاسة اللجان ورئاسة المصالح وغيرها.
وترأســت المرأة 126 قائمــة مترشــحة فــي الدوائــر الانتخابية داخــل ّ الجمهورية أي بنسبة 10.25% فــي حـيـن ترأســت المــرأة 18 قائمــةً بالدوائــر الانتخابيــة خــارج الجمهوريــة بمــا نســبته 18.55%.
وحسب إحصاءات هيئة الانتخابات، فإن تمثيل المرأة في مجلس نواب الشعب “البرلمان” بلغت حوالي 31% من إجمالي 217 نائبًا، بمعدل 68 امرأةً ليصبح بعد تغييرات وخروج عدد من النواب الذين تقلدوا مناصب في الحكومة وتعويضهم 72 امرأةً أي 33.2%، في حين لم تتجاوز هذه النسبة في المجلس التأسيسي السابق 29% لسنة 2011.
ففي سنة 2014 تمت المصادقة على القانون الانتخابي وهو القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 والذي وقع تنقيحه لاحقًا في فبراير 2017، وينص هذا القانون على التناصف العمودي بين الجنسين في القائمات الانتخابية للأحزاب في الانتخابات التشريعية، والتناصف العمودي والأفقي في الانتخابات البلدية وفق تعديل عام 2017، ويهدف هذا التعديل لإشراك المزيد من النساء في مراكز القرار، وتمكينهن من المشاركة الفعلية في إدارة الشأن العام للبلاد.
انتخابات 2019:
انتخابات 2019 جاءت مبكرة بسبب وفاة الرئيس التونسي السابق القايد الباجي السبسي، فجاءت الدعوات لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وشاركت امرأتين من بين 26 مترشحًا في الانتخابات الرئاسية، وهن عبير موسي، وسلمى اللومي.
أما نسبة إقبال النساء على الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية، كانت بنسبة 46.6%، أي بفارق 7.2% عن الرجال.
وشهد حضور المرأة وتمثيلها في البرلمان التشريعي تراجع ليس بالبسيط، رغم مبدأ التناصف بين الجنسين، ففي الانتخابات التشريعية لعام 2019 بلغت نسبة حضور النساء 26%، وذلك بمعدل 57 نائبةً من أصل 217 نائبًا، بعد أن وصل حضورها في البرلمان عام 2014 إلى 33.2%، أي بفارق ما يقارب 9%.
ومن أبرز الأحداث لمشاركة المرأة التونسية في الحياة السياسية هو تعيين الرئيس التونسي للسيدة نجلاء بودن رمضان رئيسًا للحكومة، وعليه تعد تونس الدولة العربية الأولى والوحيدة حتى الآن التي تعين امرأة في منصب رئاسة الحكومة.
التشغيل والبطالة:
بالرغم من القوانين التي تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة وعدم التمييز بينهما، إلا أن أرقام سوق العمل تعكس خلاف ذلك، فبحسب إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء، فإن نسبة تشغيل الذكور أعلى بكثير من نسبة تشغيل الإناث، رغم أن الإناث هم الأكثر تقديمًا لطلبات التوظيف على مدار العشر سنوات الأخيرة.
ففي آخر إحصائية للمعهد الوطني للإحصاء والصادرة في 15 أغسطس 2022، تحت عنوان “مؤشرات التشغيل والبطالة الثلاثي الثاني 2022“، نجد أن عدد المشتغلين بلغ 3454,4 ألفًا في الثلث الثاني من سنة 2022، ويتوزع عدد المشتغلين إلى 2464.7 ألفًا من الذكور و989.7 ألفًا من الإناث، وهو ما يمثل 71% ذكور و29% إناث، من مجموع السكان المشتغلين.
أما بالنسبة للبطالة فقد قدر عدد العاطلين عن العمل في الثلث الثاني من سنة 2022 بنحو 626.1 ألفًا، وبلغت نسبة البطالة خلال هذا الثلث 15.3%، وبلغت بين الرجال 13.1% وبالنسبة للنساء 20.5%.
ورصدت الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل، تطور طلبات الشغل خلال عامي 2019 و2020، واحتلت الإناث النصيب الأكبر فيهما، ففي 2020 بلغت الطلبات المقدمة من الإناث في مكاتب التشغيل والعمل المستقل 291 ألفًا و488 أنثى، مقابل 196 ألفًا و184 طلب من طرف الذكور.
كما رصد المعهد الوطني للإحصاء، تطور الطلبات من عام 2011 حتى 2019، وكان فيه الإناث الأكثر تقديمًا لطلبات التوظيف، لكن في المقابل كان الذكور هم الأكثر توظيفًا خلال تلك السنوات.
العنف ضد المرأة:
تونس هي الأولى عربيًا والتاسعة عشر دوليًا في إصدار قانون أساسي متعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، إلا أن حالات العنف ضد المرأة لازالت مستمرة، ففي آخر إحصائية بلغت الإشعارات بالعنف ضد المرأة الواردة على الخط الأخضر “1899” في عام 2021 قرابة 7600 مكالمة.
تتوزّع بين 84% عنف معنوي و72% عنف مادي و10% عنف جنسي و42% عنف اقتصادي فيما لم تتجاوز نسبة العنف السياسي 0.6%، كما شهدت عدد المكالمات الواردة على هذا الخط تراجعا من 15 ألف مكالمةً سنة 2020 إلى قرابة 7600 مكالمة سنة 2021.
كما تعاملت المندوبات الجهويّة لشؤون المرأة والأسرة مع 2484 حالة عنف ضد امرأة خلال 2021، مقابل 2955 حالةً في 2020، و2228 حالةً في 2019، و1929 حالةً في 2018.
الإحصاءات تكشف تزايد حالات العنف منذ 2018، بالرغم من دخول القانون الأساسي لمناهضة العنف ضد النساء، حيز التنفيذ في ذلك العام، وتزامن أكبر عدد من حالات العنف في عام 2020 مع جائحة كورونا والحجر المنزلي.
النظرة العامة للمشهد التونسي، تكشف عن احتلال تونس المرتبة الأولى عربيًا في سن قوانين حماية المرأة، إلا أن الواقع التونسي مازال بعيدًا عن التطبيق، فلازالت مشاركة النساء ضعيفة في الحياة السياسية وفي تراجع أيضًا، كما أنه لا يوجد أي تكافؤ في فرص العمل بين الجنسين، ولم تختفي جرائم العنف ضد المرأة حتى الآن.
المصادر
مجلة الأحوال الشخصية: | تصفح |
الدستور التونسي | تصفح |
قانون أساسي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة | تصفح |
احصائيات انتخابات 2014 | تصفح |
تعيين نجلاء بودن رئيسة الحكومة | تصفح |
مؤشرات التشغيل والبطالة الثلاثي الثاني 2022 | تصفح |
احصائيات الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل | تصفح |
احصائيات المعهد الوطني للاحصاء حول التشغيل | تصفح |
احصائيات وزارة المرأة حول العنف ضد المرأة لسنة 2021 | تصفح |
التعليقات حول هذا المقال