ما هي معايير تحويل قضايا المدنيين إلى المحكمة العسكرية في مصر؟

شهد هذا العام 2025، إحالة قضيتين متهم فيهما مدنيين إلى المحاكمة العسكرية في مصر، الأولى كانت قضية سرقة أسورة أثرية ذهبية من المتحف المصري في التحرير كُشف عنها في سبتمبر 2025، وقررت النيابة العامة في أكتوبر 2025 استكمال النيابة العسكرية التحقيقات في القضية.

والثانية هي قضية هتك عرض أطفال مدرسة "سيدز الخاصة للغات" التي كُشف عنها الشهر الماضي نوفمبر 2025، حيث قررت النيابة العامة المصرية إحالة ملف القضية إلى النيابة العسكرية، بناء على طلب الأخيرة، ونُشر ذلك على المواقع الإخبارية والإعلامية مثل قناة صدى البلد والنهار

وأثار طلب النيابة العسكرية بتحويل قضية المدرسة إليها جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أن قضايا التحرش وهتك العرض مدنية وليست عسكرية، بينما أيده البعض مؤكدًا وجود استثناء يجيز لرئيس الجمهورية تحويل بعض القضايا للقضاء العسكري بموجب المادة 6 من القانون العسكري خلال تطبيق قانون الطوارئ. 

ونظرا لذلك بحثنا في "تفنيد" في الضوابط التي تسمح بتدخل السلطة العسكرية في قضايا المدنيين.

ما الضوابط التي حددها الدستور في تلك المسألة؟

تحدد المادة 204 من الدستور المصري لسنة 2014 (المعدل في 2019) ضوابط محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، حيث أكدت أنه لا يجوز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا في حالات محددة، والتي تشمل:

المادة 204 من دستور مصر 2014 المعدل في 2019 


 

1- الجرائم التي تمس منشآت القوات المسلحة: لا يجوز محاكمة أي مدني إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء على المنشأت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة بذلك، أو الاعتداء على معداتها ومركباتها وذخائرها إلخ. 

2- الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الاعتداء على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم.

وتجب الإشارة إلى أن القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كل الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن فى حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة، ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري.

استثناءات تحويل قضايا المدنيين إلى المحكمة العسكرية في مصر:

حسب ما جاء في قانون القضاء العسكري الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 وتعديلاته، فإن هذه الاستثناءات تشمل في الأساس المدنيين الذين يعملون في "قوات الدفاع" أو الذين يتهمون بارتكاب جرائم متعلقة بأمن وسلامة المنشآت العسكرية أو المعدات الحربية، أو المتورطين في الجرائم التي تحدث داخل الأراضي الخاضعة لسلطة القوات المسلحة. 

صورة من قانون القضاء العسكري رقم 25 لسنة 1966

وأظهرت المادة رقم 6 من القانون ذاته أنه تسري أحكام هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في الباب الأول والثاني من الكتاب الثاني في قانون العقوبات العام التي تحال إلى القضاء العسكري بقرار من رئيس الجمهورية. 

وأوضحت المحكمة الدستورية تفسير تلك المادة حيث قالت في جلستها العلنية في 30 يناير 1993، إنه بالنسبة للفقرة الثانية من المادة رقم 6 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966، والمعدلة بقانون رقم 5 لسنة 1970، فيما تنص عليه من أن لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يحيل إلى القضاء العسكري أي قضايا من المنصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر، أي التحويل مشروط بحالة الطوارئ.

تفسير المحكمة الدستورية للمادة رقم 6 من القضاء العسكري 

ولكن المادة 6 والتي نصت على محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري أُلغيت بموجب قانون رقم 21 لسنة 2012.

هل تجاوزت النيابة العسكرية اختصاصاتها في آخر قضيتين؟ 

وفقًا لقانون رقم 151 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 136 لسنة 2014 في شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، فقد استبدلت المادتان الأولى والثانية من القانون الأصلي، حيث أكدت المادة المستبدلة الأولى على دور القوات المسلحة في معاونة الشرطة لتأمين المنشآت الحيوية مثل شبكات الكهرباء والغاز والسكك الحديدية، كما نصت المادة الثانية المعدلة على أن الجرائم التي تقع على هذه المنشآت تخضع لاختصاص القضاء العسكري. 

وفي 6 نوفمبر نشرت الجريدة الرسمية، أحكام المحكمة الدستورية العليا باختصاص القضاء العادي وحده بنظر قضايا التظاهر والتجمهر، وعدم اختصاص القضاء العسكري بهذا النوع من القضايا، في ظل تطبيق قانون حماية المنشآت رقم 136 لسنة 2014، حيث وضعت المحكمة في حيثياتها شروطًا صريحة وحالات محددة لتطبيق قانون حماية المنشآت بإحالة الجرائم المرتكبة من المدنيين إلى القضاء العسكري، بما يتفق مع أحكام المادة 204 من الدستور. هذا مجرد حكم يتضح من خلاله أن التجمهر والتظاهر أمام المنشآت الحكومية يحال إلى القضاء العادي.

قانون رقم 151 لسنة 2021

ما الذي توصلنا له في تفنيد؟

وفقًا  لبحث "تفنيد" تبقى الأسباب التي تدفع إلى تحويل هاتين القضيتين إلى القضاء العسكري غير واضحة، إذ لم ينص الدستور المصري أو قانون القضاء العسكري على هذا التحويل. كما أنه لا يوجد في مواد قانون حماية الآثار ما يشير إلى تحويل قضايا الآثار إلى المحكمة العسكرية.

ولكن وفقًا للقوانين المذكورة سابقًا، يمكن إحالة القضايا المتعلقة بالآثار أو قضايا هتك العرض إلى القضاء العسكري في حالات استثنائية، مثل تورط أفراد من القوات المسلحة في الجريمة أو إذا كانت الجريمة تشكل تهديدًا للأمن القومي. إلا أنه لم يتضح هذا الأمر في القضية الأولى، ولم يكن واردًا في القضية الثانية.

وإذا افترضنا أن التحويل بقرار رئاسي في حالات الطوارئ  فلم نجد أي قانون يتيح لرئيس الجمهورية  صلاحيات طلب تحويل قضايا إلى القضاء العسكري، وذلك لم يحدث في القضيتين السابق ذكرهما فلم نرصد خبر واحد لقرار رئاسي بذلك.

كما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد في 2021، أي أن مصر ليست في حالة طوارئ الآن.