بثت قناة الجزيرة يوم الثلاثاء 23 ديسمبر 2025، حلقة الاتجاه المعاكس بعنوان: تونس إلى أين؟، وكان ضيوفها كل من الناشط السياسي محمد الهنتاتي وإلياس الشواشي.
قمنا في تفنيد بمتابعة الحلقة واستخرجنا منها بعض الادعاءات التي يجب الوقوف عليها والتحقق منها، وتوصّل فريق تفنيد إلى أنّ بعض الادعاءات التي أطلقها الطرفين كانت "غير دقيقة"، وفقًا لبيانات معهد الإحصاء ووزارة المالية وتقارير إعلامية.
الناشط السياسي إلياس الشواشي:
ادعى الناشط السياسي إلياس الشواشي، خلال حديثه عند الدقيقة بأن نسبة النمو لم تتجاوز الـ1%، كما ادعى عند الدقيقة 5:19 بأن نسبة النمو تقارب الـ 0% عند الدقيقة 27:43، بالبحث تبين أن الادعاء غير دقيق، بالرجوع إلى معهد الإحصاء التونسي.
اكتشفنا أن نسبة نمو الاقتصاد التونسي للأشهر التسعة الأولى من 2025 بلغت 2.4%، وبلغت في الثلاثي الأول 1.6% في حين الثلاثي الثاني 3.2%.

وعند العودة على فترة حكم قيس سعيد (2019-2025)، نجد أن في قاعدة بيانات معهد الإحصاء، نجد أنها شهدت نموا اقتصاديا ضعيفا نسبيا مقارنة بالمتوسط التاريخي (2.5-2.55%)، حيث بلغ المتوسط السنوي حوالي 1.6% حتى 2025، مع انخفاضات حادة مثل -18.6% في 2020 وهي أدنى قيمة حققتها تونس منذ 2011، وذلك بسبب جائحة كورونا، بالمقابل أعلى نمو حققته تونس منذ تلك الفترة كان في الربع الثاني من 2021 بـ 16.1%.

ومنذ 2011 حتى نهاية 2018 فإن متوسط نسبة النمو كان في حدود الـ 2.2%، بأعلى معدل كان 4.9% وأدناها كان -2.7%.
وادعى أيضا الشواشي عند الدقيقة 6:17 بأن (قيس سعيد) اقترض بين سنة 2022 إلى حتى الآن 180 مليون دينار، بالرجوع إلى تقارير وزارة المالية تبين أن الرقم غير دقيق.
ووجدنا أن إجمالي القروض من 2022 حتى توقعات 2025 بلغت 92 مليون دينار موزعة كالتالي: 18.3 مليون في 2022 و19 مليون في 2023، 26.7 مليون في 2024 ومتوقع أن يصل 28 مليون في 2025.

وباحتساب طوال فترة حكمه من 2019 حتى توقع 2025 فإن إجمالي الاقتراض كان في حدود 117.4 مليون دينار، معظمها قروض داخلية اتباعا لسياسة قيس سعيد بـ"التعويل على الذات" وتجنب اللجوء للمؤسسات الدولية، كما متوقع أي يصل الاقتراض في 2026 إلى 27 مليون دينار.
جدير بالذكر أن القروض زادت بنسبة كبيرة بعد الإجراءات الإستثنائية التي أعلن عنها قيس سعيد في يوليو 2021 حتى توقعات 2026، وتقدر الزيادة بنحو 62٪ مقارنة بالسنوات السابقة من 2010 حتى 2020، حيث بلغ إجمالي القروض في تلك الفترة ما يقارب 83 مليون دينار فقط، أي ما اقترضته تونس خلال 11 عاما تم اقتراض أكثر منه بـ 55 مليون دينار خلال 6 سنوات فقط.
الناشط السياسي محمد الهنتاتي:
أما الضيف الثاني محمد الهنتاتي ادعى في الدقيقة 23:26 أن يوجد على مواقع الإذاعات والقنوات التونسية بودكاست من كل إذاعة، هناك برنامج سياسي كامل، بالبحث تبين أن الادعاء غير دقيق، وذلك من خلال تتبع مواقع الإذاعات والقنوات التلفزيونية.
حيث هناك برامج سياسية تم إيقافها خلال 2025 منها:
- برنامج الماتينال في إذاعة إي أف أم في مايو 2025، وبالعودة لبرمجة الإذاعة لم نجد فيها أي برنامج سياسي جديد أو بديل.
- برنامج رؤى حرة على قناة قرطاج + في يناير 2025، دخلنا على صفحتها على يوتيوب وجدنا آخر نشر كان في يوليو 2025 وعلى صفحتهم في فيسبوك كان آخر نشر في سبتمبر 2025، أما الفضائية لا زالت تبث حتى الآن لكن بدون برنامج سياسي.
- برنامج ميدي شو الذي كان يقدمه نوفل الورتاني على إذاعة موزاييك، وأصبح يقدم الآن برنامج منوعات تحت اسم ميدي ماق، بالبحث في برمجة إذاعة موزاييك وجدنا هناك برنامج سياسي وحيد يقدمه أنيس مرعي تحت اسم "ميدي ايكو".
- برنامج بوليتيكا في إذاعة جوهر أف أم، أعلن مقدم البرنامج زهير الجيس عن انتهاء برنامجه عبر منشور على فيسبوك في 31 يوليو 2025.

وبالعودة إلى موقع جوهرة أف أم لم نجد جدولة البرامج، لكن من خلال متابعة صفحتهم على فيسبوك ووجدنا أنه تم استبدال البرنامج السياسي ببرنامج يطلق عليه اسم "المحقق +"، يستعرض الجرائم التي تحدث في تونس ويقوم بتحليلها من أبعاد مختلفة لا سيما النفسية.
وفي 2024 فقد شهدت أيضا إيقاف برامج سياسية منها: برنامج 90 دقيقة في يونيو 2024 على إذاعة إي أف أم، إلى جانب برنامج ميدي ماد على راديو ماد في يناير 2024، الذي كان يقدمه برهان بسيس والذي يتواجد بالسجن الآن.
كما ادعى الهنتاتي في الدقيقة 34:46 بأن قيس سعيد منع غلاء الأسعار وراقب جيدا بمعية الجيش التونسي والأمن التونسي ووزارة التجارة مسالك التوزيع.
بالبحث تبين أن الادعاء صحيح جزئيا بأن هناك حملة لمراقبة الأسعار تقودها وزارة التجارة بالتعاون مع أعوان الحرس الوطني التونسي، لكن لم يشارك فيها الجيش أبدا.

جدير بالذكر أن الجيش التونسي لم يشارك في مراقبة الأسعار في تاريخه إلا في مرة واحدة خلال أحداث "خبز ودم" عام 1984، حيث أُعلنت حالة الطوارئ ونزل الجيش إلى الشوارع للسيطرة على الاحتجاجات الناتجة عن رفع أسعار الخبز بنسبة 70%، مما أدى إلى مواجهات عنيفة.
ادعاءات تقاطعت بين الضيفين:
أولا: قال الشواشي عند الدقيقة 13:10 أن هناك أكثر من 32 ألف قضية تآمر في تونس فقط في 4 سنين، هناك أكثر من 11 ألف سجين جديد في تونس، هناك أكثر من 279 سجين سياسي ورأي، كلها قضايا تآمر وإرهاب، في حين قال الهنتاتي عند عند الدقيقة: 19:25 لا يوجد عندنا في السجون سجناء سياسيين بل سجناء حق عام، لم يسجنوا بسبب آرائهم أو تظاهرهم..
بالبحث في أصل الأرقام التي قالها الشواشي تبين أنها تصريح من فتحي جرّاي، رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب نشره موقع ألترا تونس في مايو، قال فيه إن "عدد السجناء بلغ أكثر من 32 ألف سجين في 2025"، أي بزيادة قدرها 10 آلاف سجين مقارنة بفترة 2018 - 2021 وهي الفترة التي غطاها تقرير للهيئة حول الوضعية السجنية التونسيّة. كما ذكّر بأن "طاقة استيعاب السجون التونسية لا تزيد عن 17 ألف سجين، بما يعني أن هناك أكثر من 10 آلاف سجين بدون فراش.
لكن الشواشي ادعى أن الـ 32 ألف سجين كلهم كانوا تحت قضية تآمر على الدولة، هي حين جراي لم يوضح ذلك على اعتبار أنهم مساجين باختلاف قضاياهم وليس التآمر على الدولة فقط.
أما فيما يخص عدد السجناء السياسيين فإنه لا توجد أرقام رسمية موثوقة متفق عليها، حيث هناك معتقلون سياسيون في تونس تم سجنهم بسبب آرائهم أو لممارستهم الحق في التظاهر السلمي، وفق المنظمات الحقوقية الدولية، بينما تصفهم السلطات الرسمية بأنهم متهمون بأعمال "تهدد أمن الدولة".
حيث أشارت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في التقرير السنوي حول الحقوق والحريات لسنة 2025، أن الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بتونس قضت بسجن القيادي بحزب النهضة نور الدين البحيري 10 سنوات فيما يعرف بقضية "التدوينة" وذلك من أجل جريمة "تغيير هيئة الدولة وتحريض المواطنين على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح".
وأضاف التقرير إلى وجود 40 متهما بينهم سياسيون ومسؤولون سابقون ومحامون بالإضافة إلى عدد من رجال الأعمال محكومة في قضية تعرف بـ"التآمر على أمن الدولة".
ترتبـط التهم التي وجهها القضـاء التـونسي في القضيــة بالتآمر علــى أمـن الـدولــة الداخلي والخارجي، وتتنوع ما بين تكويـن تنظيم إرهابي وانتداب وتدريــب أفــراد لارتكاب جرائم وتوفير أسلحة ومتفجرات إضافــة إلى إثارة الهرج والقتل والسلب علــى التراب التونسي.
وهذا ما يبرر قول الهنتاتي بأنه لا يوجد سجين سياسي وأنهم سجناء حق عام أي بتهم فساد وإرهاب وذلك لأن السياسيين ورجال الأعمال أغلبهم يحاكمون تحت قضية "التآمر على أمن الدولة".
ثانيا: قال الشواشي عند الدقيقة 38:33 إن راتب الرئيس التونسي 27 مليون دينار تونسي وميزانية الرئاسة 228 مليون دينار، في حين رد الهنتاتي عند الدقيقة 43:21 بأن ميزانية رئاسة الجمهورية هو أكبر تقشف في تاريخ ميزانية الرئاسة التونسية.
بحثنا في "تفنيد" حول الادعاء وتبين معنا أنه لا يوجد مصدر رسمي يوضح كم يتقاضى الرئيس التونسي قيس سعيد، كما أنّ الرقم الذي أدلى به الشواشي 228 مليار، هي ميزانية رئاسة الجمهورية التونسية المتوقعة لسنة 2026 إذ بحسب مشروع ميزانية 2026 فإنه متوقع أن تصل إلى نحو 229.7 مليون دينار. أما ميزانية الرئاسة في سنة 2025 تشير الأرقام في تقارير وزارة المالية إلى أن ميزانية رئاسة الجمهورية لسنة 2025 في حدود 214 مليون دينار تقريبا، أي بزيادة متوقعة تقدّر بـ 15 مليون دينار.

وفي فترة حكم قيس سعيد (2019 حتى 2025) نلاحظ ارتفاع كبير في قيمة النفقات المخصصة لميزانية رئاسة الجمهورية، حيث كانت في حدود 123 مليون دينار في 2019 ومتوقع أن تصل إلى 229 في 2026 أي زيادة بـ 106 مليون دينار فقط خلال 6 سنوات فقط، والرسم البياني التالي يرصد تطور قيمة ميزانية رئاسة الجمهورية خلال فترة حكم سعيّد.

وعند الاطلاع على الأرقام نجد أن هناك زيادة سنوية كبيرة بمتوسط سنوي حوالي 8%، وهذا يتوافق مع ما رد به الشواشي على ادعاء الهنتاتي في وعلى الرغم الارتفاع الكبير في قيمة الميزانية المخصصة لرئاسة الجمهورية إلا أن عند احتساب نسبتها من إجمالي ميزانية الدولة -التي ترتفع هي بدورها- ، نجد أن الزيادة ضمن المعدل الطبيعي، كما هو موضح في الجدول التالي:
| السنة | ميزانية الدولة (مليار) | ميزانية الرئاسة (مليون دينار) | نسبة الرئاسة (%) |
2019 | 40.3 | 123.989 | 0.31 |
2020 | 44.5 | 160.373 | 0.36 |
2021 | 52.0 | 169 | 0.32 |
2022 | 59.4 | 171 | 0.29 |
2023 | 65.0 | 191 | 0.29 |
2024 | 76.6 | 200.4 | 0.26 |
2025 | 78.2 | 214.259 | 0.27 |
2026* | 79.6 | 229.705 | 0.29 |
وبحساب المتوسط نجد أن آخر سنوات كانت النسبة في حدود 0.30%، بالتالي ما هو مخصص لميزانية رئاسة الجمهورية خلال 2026 تعتبر ضمن الطبيعي بالتالي لا يمكن اعتباره تقشف كما ادعى الهنتاتي.
.png)