الشفافية في مصر..

كيف تتعامل الحكومة مع الملفات الأكثر حساسية؟

ترتيب مصر بمؤشر الشفافية

اختتمت وزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين القباج، عام 2021 ببيان أكدت فيه أن مصر تقدمت درجتين في التقرير السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية الخاص بمؤشر الفساد العالمي لعام 2020 ، حيث أصبح تقييمها 33 نقطةً، وذلك بعد أن احتلت المركز الـ117 من أصل 180 دولةً.
بيان الوزيرة كان يهدف لتأكيد رسالة الرئيس حول تطبيق قواعد الشفافية، إلا أننا اكتشفنا مضمونًا مُضللًا ببيان وزيرة التضامن، فوفقًا لمؤشر مُدركات الفساد العالمي لعام 2020، الذي تُعده مُنظمة الشفافية الدولية، تراجعت مصر للمركز 117 بين 180 دولةً، بعد أن كانت في عام 2019 في المركز 106، وهو ما يعني أن مصر تتراجع في مؤشر الشفافية.

ما هو تعريف الشفافية؟

اختبار الشفافية

التصريحات المُضللة لوزيرة التضامُن الاجتماعي حول تقييم أداء مصر بمؤشر الشفافية الدولية؛ دفع فريق عملنا لاختبار مدى تطبيق الحكومة المصرية لقواعد الشفافية بناء على التعريفات الأكاديمية الدولية، فعملنا على اختبار جانبين من قواعد الشفافية، وهما مدى صدق بيانات الحكومة المُعلنة، ومدى سماح الحكومة لإتاحة البيانات للجمهور.. 

الانتقائية VS الشفافية

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، تقرير في ديسمبر 2021 يستعرض فيه تقدم مصر 13 مركزًا بالمؤشر العالمي لتنافسية المواهب، الصادر عن جامعة “انسياد”.
وعلى الرغم من صدق ما أعلنه التقرير من تقدم مصر بالمؤشر، إلا أن ما أعلنته الحكومة في التقرير كان انتقائيًا إذ تعمدت إغفال أجزاء رئيسية من المؤشر تكشف إشكاليات لدى الحكومة، واكتفت بعرض النتائج الإيجابية فقط.
إذ يضم المؤشر الأصلي لتنافسية المواهب 6 محاور، اكتفت الحكومة بعرض أجزاء من  4 محاور

Made with Flourish
  • محور تمكين المواهب:

أعلنت الحكومة 3 مؤشرات فرعية فقط، بينما بالتحقق فالمحور يتكون من 21 مؤشر فرعي تقدمت مصر في 12 منهم، وتراجعت في 7 مؤشرات، بينما لم تتوفر بيانات كافية بشأن مؤشرين.

 

Made with Flourish
  • محور تنمية المواهب:

أعلنت الحكومة 3 مؤشرات فرعية فقط، وبالتحقق وجدنا أن المحور يتكون من 16 مؤشر فرعي، وتقدمت مصر  في 7 مؤشرات فرعية مقابل التراجع في 3 مؤشرات، بينما لم تتوفر بيانات كافية بشأن 6 مؤشرات.

 

Made with Flourish
  • محور المهارات التقنية والتعليم الفني:

 أعلنت الحكومة 4 مؤشرات فرعية، وبالتحقق فالمحور يتكون من 9 مؤشرات جميعها شهدت تقدم. 

 

Made with Flourish
  • محور جذب المواهب:

أعلنت الحكومة مؤشرين فرعيين فقط، وبالتحقق فالمحور يتكون من 13 مؤشر فرعي، تقدمت مصر في 6 منهم وتراجعت في 6، بينما لم تتوفر بيانات كافية بشأن مؤشر واحد.

 

Made with Flourish
  • محور الحفاظ على المواهب:

أغفلت الحكومة الإعلان عن المحور، والذي تراجعت فيه مصر بواقع 25 مركزًا، وهو يتكون من 10 مؤشرات فرعية، تراجعت مصر في 8 منها، وتقدمت في إثنين فقط. 

 

Made with Flourish
  • محور مهارات المعرفة العالمية:

 أغفلت الحكومة الإعلان عن المحور، والذي تراجعت فيه مصر بواقع 13 مركزًا، وهو يتكون من 13 مؤشرًا فرعيًا، تراجعت مصر في 8، وتقدمت في 3 مؤشرات، بينما لم تتوفر بيانات كافية بشأن مؤشرين اثنين.

 

Made with Flourish

الانتقائية في نشر بيانات المؤشر العالمي لتنافسية المواهب، على الرغم من تقدم مصر بشكل إجمالي في المؤشر، يكشف أن الحكومة تعمل على نشر ما يعبر عن إنجازها، ولكنها تتعمد إخفاء البيانات التي تكشف إشكالياتها، إذ كانت أبرز المؤشرات الفرعية التي أغفلتها الحكومة هي:

– مؤشر الفساد، إذ تراجعت مصر 10 مراكز حيث سجلت المركز 97 عام 2021 مقابل المركز 87 عام 2020.

  • مؤشر نمط الحياة، إذ تراجعت مصر 18 مركزًا حيث سجلت المركز 104 عام 2021 مقابل المركز 86 عام 2020. ويتضمن المؤشر الحقوق الشخصية والسلامة الشخصية والنظام الصحي.

لم يكن المؤشر العالمي لتنافسية المواهب هو المؤشر الوحيد الذي تعاملت معه الحكومة بانتقائية، إذ شهد تقرير الحكومة عن ترتيبها بمؤشر “الابتكار العالمي” ذات الإشكالية. 

ويتضمن “مؤشر الابتكار العالمي” 7 محاور رئيسية، تقدمت مصر في 3 منها وهى التي ذكرها تقرير مركز معلومات الوزراء، بينما تراجعت في 4 محاور أغفلت الحكومة ذكرها، وكان أبرز مؤشر فرعي أخفته الحكومة قد أشار إلى تراجع مصر بمؤشر التعليم من المركز 80 عام 2020 إلى المركز 93 عام 2021 بواقع هبوط 13 مركزًا.

 

تقارير الحكومة حول مؤشري تنافسية المواهب والابتكار العام شهدت انتقائية واضحة بهدف إخفاء النقاط السلبية بأداء الحكومة عن الجمهور، وهو ما يتوافق ما تحققنا منه من قبل حول تقارير المؤشرات الاقتصادية الخاصة بمصر، وأثبتنا فيه أن الحكومة تلاعبت بتلك المؤشرات أيضًا.

التعتيم VS الشفافية

اقتصاد الجيش.. ممنوع الاقتراب أو التصوير

تفرض الدولة ستارًا من السرية والتعتيم حول المنظومة الاقتصادية للجيش، ولم تسمح أبدًا بمناقشة ميزانيتها أو تفاصيلها بمجلس النواب، كما لا يتم إدراج إيرادتها ضمن إيرادات الموازنة العامة للدولة، فضلًا عن حظر إطلاع مصلحة الضرائب على تفاصيل حساباتها، وفقًا للمادة 47 من قانون ضريبة الدخل لعام 2005. بالإضافة إلى المادة الأولى من قانون الإعفاءات الجمركية لعام 1986، والتي تنص على إعفاء واردات وزارة الدفاع ووزارة الدولة للإنتاج الحربي من أية ضريبة. 

وكذلك منح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الجيش الحق في إدارة جميع الأراضي غير الزراعية وغير المُستثمَرَة، والتي تُقدر إلى أنها تصل إلى 87% من مساحة البلاد، عبر قرار رئاسي، صدر في عام 1977.
وهو ما خلق سِجالًا مستمرًا حول حجم المنظومة الاقتصادية للجيش المصري، والذي قدرته منظمة الشفافية الدولية عام 2016 بين 45% إلى 60%  من إجمالي الاقتصاد المصري، وهو ما دفع الرئيس السيسي بنهاية عام 2016 لإعلان أنها لا تتجاوز 1.5% إلى 2%، ولكن كيف يمكن التأكد من صدق ما أعلنه الرئيس؟

عمل فريق عملنا على محاولة لحصر الأعمال الاقتصادية المُعلنة من جانب القوات المسلحة في المجالات المُختلفة، والتي انقسمت لقسمين، قسم خاص بالصناعات العسكرية، وقسم خاص بالصناعات المدنية.
تعمل المؤسسة العسكرية على إدارة تلك الصناعات من خلال الهيئة العربية للتصنيع، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، ووزارة الإنتاج الحربي، ووزارة الدفاع، وقد عمل فريق عملنا على حصر الصناعات الغير عسكرية المعلنة والتي شملت 22 مجالًا مختلفًا، كما يلي:

ما رصده فريق عملنا من نشاطات اقتصادية للجيش هو ما أعلنته بالفعل المؤسسة العسكرية من خلال قطاعاتها الرئيسية، إلا أن مئات الشركات الأخرى بمجالات مختلفة تخضع لإدارة مباشرة من لواءات بالقوات المسلحة، وهو ما يعمل فريق عملنا على التقصي حوله لرسم خريطة أوسع تعكس حقيقة حجم اقتصاد الجيش في مصر.

مراكز الاحتجاز الأولية تكتظ بأعداد هائلة تصل إلى نحو 300% من طاقتها الاستيعابية

إحصائيات غير تفصيلية صدرت عام 2016 من المجلس القومي لحقوق الإنسان

السجون خارج دائرة الضوء

"إجمالاً، يوجد 55 ألف مكانًا بالسجن في مصر! فمن أين يأتي هذا الرقم؟"

الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال حواره مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية بتاريخ 8 ديسمبر 2020

تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي، لصحيفة لوفيغارو الفرنسية، الذي نفى فيه وجود 60 ألف سجين رأي في مصر، لم يعلن بدقة عدد سجناء الرأي، ولكنه اكتفى بإعلان الحد الأقصى الرسمي الممكن لعدد السجناء في مصر، دون تحديد لحقيقة الأعداد هل بلغت الحد الأقصى، أو تجاوزته، أم لا زالت بعيدة؟ 

تحرى فريق عملنا حول العدد الإجمالي للسجناء السياسيين في مصر أو إجمالي عدد السجناء بما يشمل السياسيين والجنائيين، وهو ما لم نتمكن من الوصول إليه بين المصادر الرسمية المُعلنة، والتي تبدأ بالموقع الرسمي لوزارة الداخلية، وصفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلًا عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، والهيئة العامة للاستعلامات، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
إحصائيات غير تفصيلية صدرت عام 2016  من المجلس القومي لحقوق الإنسان، أكد خلالها أن مراكز الاحتجاز الأولية بالأقسام والمديريات تكتظ بأعداد هائلة تفوق طاقتها الاستيعابية بشكل كبير وبتقديرات تصل إلى نحو 300% من طاقتها الاستيعابية، وكذلك تجاوز الاكتظاظ بالسجون إلى 150% من طاقتها الاستيعابية.
إخفاق فريق عملنا في الوصول لعدد السجناء لم يكن إخفاق خاص بـ “تفنيد”، إذ أعلنت منظمة العفو الدولية أن السلطات المصرية ترفض الإفصاح عن عدد السجناء في البلاد، وتشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ حوالي 114 ألف سجينًا. 
وعلى الرغم من أن الرقم الذي أعلنته منظمة العفو الدولية يُعد مُبالغ فيه مقابل ما أعلنه الرئيس السيسي عن الطاقة الاستيعابية للسجون، إلا أن المُتحدّث باسم مفوّضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان أكد الرقم حين قال “نشعُر بقلق بالغ حيال اكتظاظ السجون في مصر وخطر الانتشار السريع لفيروس كورونا المُستجدّ بين أكثر من 114 ألف سجينًا في البلاد“.

الشفافية بمفهوم جديد

محاولات فريق عملنا لاختبار مدى تطبيق الحكومة المصرية لقواعد الشفافية بناء على التعريفات الأكاديمية الدولية، لم يسفر عن الوصول إلى نتائج تقارب ما تعلن عنه الحكومة، إذ اكتشف فريق عملنا إخفاء الحكومة للكثير من البيانات الهامة المرتبطة بالحريات وبالاقتصاد، فضلًا عن عدم دقة انتقائية المعلومات التي تطرحها البيانات الحكومية حول إنجازاتها.
وهو ما يطرح سؤالًا هامًا حول مفهوم الشفافية لدى الحكومة المصرية.. هل تطرح الحكومة مفهومًا جديدًا للشفافية لا يكفل الإفصاح عن البيانات أو صدق البيانات المُعلنة؟ 

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

أضف قائمة تشغيل جديدة

إشترك الآن ليصلكم جديد الأخبار

إشترك الآن في القائمة البريدية

إحصل علي جديد الأخبار