شهدت منصات التواصل الاجتماعي حالة من الجدل الواسع عقب إعلان بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، في 17 ديسمبر 2025، المصادقة على اتفاق جديد لتوريد الغاز الطبيعي مع مصر، تبلغ قيمته نحو 35 مليار دولار.
يرصد التقرير حملتين متزامنتين متضادتين، بين مؤيدين للموقف الرسمي المصري الذي أبرم الصفقة عبر عدة وسوم، أبرزها "#مصر_تفرض_ارادتها"، في مقابل حملة رافضة للصفقة تحت عدة وسوم أبرزها "#صفقة_العار" و"#صفقة_الغاز_خيانة_لغزة".
اعتمد التقرير على تحليل بيانات منشورات منصة "إكس" المرتبطة بالوسوم خلال الفترة من 17 إلى 20 ديسمبر 2025، باستخدام أدوات تحليل المحتوى وشبكات التفاعل لرصد حجم التفاعل واتجاهات المشاعر والسرديات المهيمنة، إضافة إلى تحليل شبكات التفاعل لتحديد الحسابات المركزية وأنماط الانتشار.
أعلن "نتنياهو" أن الصفقة المبرمة مع مصر هي الأكبر في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، لينطلق مع إعلانه سجالًا على منصة "إكس" بين مؤيد ومعارض، إذ بدأ التفاعل على وسم "#مصر_تفرض_ارادتها" بعد الإعلان مباشرة في 17 ديسمبر 2025، وكان هو الأضخم من حيث النشر والتفاعل في الحملتين، إذا بلغ عدد المنشورات عليه 2420 منشورًا حتى 20 ديسمبر 2025. بإجمالي تفاعلات أكثر من 20 ألفًا و800 تفاعلاً، بينها أكثر من 12.966 إعجابا، و2.733 إعادة نشر، وأكثر من 4800 ردا، فيما بلغ إجمالي الوصول أو المشاهدات أكثر من 544 ألف مشاهدة.
في المقابل كان إجمالي المشاركات بالوسوم المعارضة أقل بشكل كبير مع معدل وصول مرتفع، إذ بلغ إجمالي منشورات الحملة المعارضة خلال الفترة ذاتها، 155 منشورًا، بإجمالي تفاعل بلغ أكثر من 6 آلاف و300 تفاعلًا، وبإجمالي وصول تجاوز 196 ألف مشاهدة.

يشير هذا التفاوت إلى اعتماد الحملة المؤيدة على كثافة النشر والتضخيم، مقابل اعتماد الحملة المعارضة على الانتشار العاطفي لمحتوى أقل عددًا لكنه أعلى وصولًا.
وشهد يومي 18 و19 ديسمبر ذروة النشر للحملتين


تحليل المشاعر
تحليل المشاعر بين الحملتين بناءً على تحليل لغوي للمنشورات أظهر غلبة المحتوى الإيجابي أو الداعم في الحملة المؤيدة للصفقة وتوجه الحكومة المصرية وقدرتها على فرض إرادتها وإملاء شروطها، على الجانب الآخر أظهر غلبة المحتوى السلبي والرافض للصفقة بوصفها خيانة، ومشاركة في دعم حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة.


تحليل الخطاب والسرديات
تحليل خطاب ومحتوى الحملتين يظهر تباينًا كبيرًا في السرديات التي قامت عليها كل حملة، إذ اعتمدت الحملة المؤيدة لتوجه الحكومة المصرية على خطاب يظهر قوة الدولة وقدرتها على فرض إرادتها وإملاء شروطها على الاحتلال الإسرائيلي، وإظهار مزايا الصفقة بالنسبة لمصر، مع استخدام وسوم مصاحبة تدل على القوة والسيطرة مثل "#السيسي_زعيم_بحجم_العالم" و"#مصر_السيسي_السياده_والقوه"


في المقابل اعتمد الخطاب المعارض للصفقة على رسائل التخوين للحكومة المصرية مع وصفها بالعمالة، مع إظهار سلبيات الصفقة وخطرها على الأمن القومي المصري، مع دعم الصفقة للاحتلال في وقت يشن فيه حرب إبادة على قطاع غزة، واتهام مباشر بمشاركة مصر في قتل الشعب الفلسطيني بغزة.


تكشف سحابتا الكلمات عن انقسام حاد في الخطاب الرقمي حول صفقة الغاز، ليس فقط على مستوى الموقف، بل على مستوى لغة السرد نفسها. ففي السحابة الأولى، يهيمن خطاب تعبوي قائم على الشخصنة والتمجيد السياسي، حيث تتصدر كلمات مثل "مصر"، "السيسي"، "تحيا مصر"، "القومي" "الاستقرار"، و"مصر العظمى"، ما يعكس محاولة تأطير الصفقة باعتبارها قرارًا سياديًا مرتبطًا بالدولة ورمزها، مع حضور محدود لمفردات الصفقة ذاتها مقارنة بحضور الرموز السياسية.
في المقابل، تُظهر السحابة الثانية خطابًا اعتراضيًا مباشرًا يركز على جوهر الصفقة وتداعياتها، حيث تبرز كلمات مثل "الغاز" و"مصري" و"إسرائيل" و"غزة" و"الاحتلال" و"صفقة"، في سياق يربط الاتفاق اقتصاديًا وأخلاقيًا بالحرب على غزة، ويُقدّم الصفقة باعتبارها قضية أخلاقية وسياسية عابرة للحدود لا مجرد قرار اقتصادي.
ويعكس هذا التباين أن الصراع بين الحملتين لم يكن حول الأرقام أو الشروط التقنية، بقدر ما كان صراع سرديات، سردية رسمية تعبّر عن الدولة والاستقرار، في مواجهة سردية احتجاجية تربط الاقتصاد بالدم والسياسة بالحرب، وهو ما يفسّر تباعد المفردات واختلاف مركز الثقل اللغوي بين السحابتين رغم تناولهما للموضوع ذاته.


من يحرك الحملات المؤيدة والمعارضة؟
بدأ النشر على وسم #مصر_تفرض_ارادتها عند الساعة 21:17 بتوقيت مصر يوم 17 ديسمبر 2025، من حساب bassemegy777.

الحساب تصدر مركز شبكة الحسابات المتفاعلة على الوسم، إذ مَثّلَ الحساب العقدة المركزية التي تقود التفاعل على الوسم، وتظهر حولها أنماط متنوعة من التفاعل، تبدأ بعدد من الحسابات الداعمة مثل EsisiSalam46559 وEgyptianWolf22، وشبكة أكبر من الحسابات المتفاعلة والتي يتمثل دورها في إعادة النشر والتفاعل المحدود على المنشورات.

يكشف الرسم أن المحتوى يتمحور بشكل أساسي حول حساب واحد يلعب دور "المحرّك المركزي" للنقاش، حيث يستحوذ bassemegy777 على النصيب الأكبر من الروابط والتفاعلات، وتصب باتجاهه غالبية عمليات إعادة النشر.
في المقابل، تحيط بهذا الحساب شبكة واسعة من الحسابات الداعمة، يتسم معظمها بنشاط أحادي الاتجاه يتركز على تضخيم المحتوى وإعادة نشره وتدويره، دون وجود تفاعل متبادل يُذكر بين تلك الحسابات.
ويُظهر توزيع العقد والعلاقات، والتي ترتبط جميعها بحساب مركزي واحد، ولا يظهر بها كتل مستقلة أو متباعدة، غياب مجتمعات نقاش مستقلة أو مسارات متعددة لتداول المحتوى، ما يشير إلى بنية اتصال هرمية، وهو نمط يرتبط غالبًا بالحملات المنسقة أو الخطاب الموجّه، حيث يقود حساب مركزي واحد عملية نشر الرسائل بينما تعمل الحسابات الأخرى كأذرع دعم وتوسيع للانتشار.
في المقابل تصدرت حسابات مثل HayanMo2278 و_HulmStan_ وfahad351423 الحملات المناهضة للصفقة، تحديدا وسم "#صفقة_العار"، إذ تمركزت تلك الحسابات بمنتصف الشبكة وتفاعل معها عدد من الحسابات لترويج وتضخيم محتوى الوسم.

تحليل المحتوى عبر وسوم الحملة المعارضة أظهر تفاعل كبير من حسابات سعودية على وسمي #صفقة_العار و#غاز_مصر_يقتل_اطفال_فلسطين.




يكشف تحليل الحملتين المتضادتين حول صفقة الغاز بين مصر والاحتلال الإسرائيلي عن انقسام رقمي، لا يعكس فقط تباين المواقف السياسية، بل يُظهر اختلافًا واضحًا في أنماط التعبئة والخطاب وبنية التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي.
ففي حين اعتمدت الحملة المؤيدة للصفقة على كثافة النشر والتضخيم المنظم عبر شبكة تفاعلات تتمحور حول حسابات مركزية، كانت الحملة المضادة موزعة على عدة بؤر، وبينما اعتمدت الحملة المؤيدة على خطاب احتفالي يعتمد على الوسوم والرموز التعبيرية الوطنية، ارتكزت الحملة المعارضة على خطاب عاطفي عالي الحدة، حقق وصولًا ملحوظًا رغم محدودية عدد المنشورات.
وتشير بنية الشبكات المرتبطة بالحملة المؤيدة إلى نمط اتصال هرمي، يقوده حساب مركزي واحد وتدعمه شبكة من الحسابات ذات التفاعل أحادي الاتجاه، وهو ما يعكس آليات نشر موجهة تهدف إلى توحيد الرسالة وتعظيم انتشارها، دون تشكّل مساحات نقاش مستقلة. في المقابل، بدت الشبكة المرتبطة بالحملة المعارضة أكثر تشتتًا، مع تعدد الحسابات المؤثرة وغياب مركز واحد مهيمن، بما يعكس حالة اعتراض واسعة لكنها عشوائية أو أقل تنظيمًا.
كما يوضح تحليل المشاعر والسرديات أن الصراع لم يكن حول الصفقة في بعدها الاقتصادي فقط، بل حول دلالاتها السياسية والأخلاقية، حيث جرى تأطيرها في الخطاب المؤيد باعتبارها تعبيرًا عن قوة الدولة وقدرتها على فرض شروطها، مقابل تصويرها في الخطاب المعارض كفعل تواطؤ ودعم مباشر للاحتلال في سياق حرب إبادة مستمرة على قطاع غزة.
في المحصلة، لا تعكس هذه الحملات مجرد تفاعل عابر مع حدث سياسي، بل تقدم نموذجًا لكيفية توظيف الفضاء الرقمي كساحة صراع رمزي، تُدار فيه المعارك عبر السرديات، وتُصاغ فيه المواقف العامة من خلال أنماط منظمة من النشر والتضخيم، بما يجعل تحليل البيانات الرقمية أداة أساسية لفهم اتجاهات الرأي العام، وحدود تأثير الحملات الرقمية، وطبيعة الخطاب الموجّه في القضايا ذات الحساسية السياسية العالية.
.png)